طالما يشعر صاحب الحق أنه على يقين من أحقيته، فإن ذلك يشكل عنصر حفز له ليصنع الموقف الذي يمهد له الطريق للوصول إلى حقه المسلوب، فشعوره بالأحقية يعطيه ثقة وشجاعة ليجاهر بالمطالبة بحقه في وجه الغاصب مهما كانت سطوته وعدوانيته.
الشعب الفلسطيني بكامله يشعر بأنه صاحب حق، ومن ثم فهو يتحمل كافة الصعاب ويواجه المآسي بصدر مفتوح وعزيمة لا تلين، يدفن شهداءه ويعود ليقاوم مستمدًّا تضحية الشهيد حافزًا جديدًا للاستمرار في النضال والمقاومة، سواء كانت مقاومة ميدانية أو سياسية.
وتعد موافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة، يوم أمس الأول، بأغلبية كبيرة على مشروع قرار قدمه الفلسطينيون يسمح برفع علمهم على مقر المنظمة الدولية، إنجازًا سياسيًّا ـ رغم رمزيته ـ وانتصارًا لحق تاريخي لا تزال تتكالب القوى الكبرى الحليفة لكيان الاحتلال الإسرائيلي على نهبه بشتى الوسائل وطمسه من بصورة نهائية. فقد صوّتت 119 دولة، من بينها روسيا الاتحادية، من جملة 193 عضوًا بالأمم المتحدة، لصالح القرار، في حين صوتت ضده تسع دول في مقدمتها الولايات المتحدة وكيان الاحتلال الإسرائيلي، وامتنعت عن التصويت 45 دولة من بينها ألمانيا والنمسا.
لقد كانت المعارضة الأميركية للقرار والتصويت ضده أمرًا مفروغًا منه، فهو موقف أميركي جديد يضاف إلى المواقف الأميركية السابقة المعادية لحقوق الشعب الفلسطيني، والمؤيدة لكل الممارسات والانتهاكات ضد الإنسانية الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني. فالتأييد الأميركي لجرائم الاحتلال الإسرائيلي والتستر عليها غَدَا أمرًا ثابتًا وراسخًا في تاريخ الاستعمار والاحتلال وغزو الأمم والشعوب ونهب ثرواتها واغتصاب حقوقها، كيف لا؟ وقد أمهرته القوة العظمى راعية السلام في الشرق الأوسط، والعضو في اللجنة الرباعية للسلام، و"الوسيط" الدولي "المقبول" والمرفوض غيره "إسرائيليًّا"، بعبارة "حق "إسرائيل" الدفاع عن نفسها".
ولذلك التبرير الذي ساقته المندوبة الأميركية الدائمة لدى هيئة الأمم المتحدة، سامانثا باور لمعارضة بلادها القرار الفلسطيني، بـ"أن رفع العلم الفلسطيني لن يساهم في التقريب بين "الإسرائيليين" والفلسطينيين"، هو تبرير وعذر أقبح من ذنب، فمثل هذه العبارات كانت ولا تزال وستظل ما بقي كيان الاحتلال الإسرائيلي، متداولة كأشهر عبارات قاموس الأعذار والمبررات والدفاع عن جرائم الحرب الإسرائيلية.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: إذا لم تكن مثل هذه المواقف والخطوات السياسية والدبلوماسية هي المُقَرِّبة للطرفين الفلسطيني والإسرائيلي والمُعَزِّزة لفرص التفاوض والوصول إلى حل سلمي، فهل الاستيطان والتهويد المستمران، والاعتقال اليومي لعشرات الأبرياء، وتدنيس المساجد، والاغتيالات والحصار وغيرها هي التي تقرب بين الجانبين، وتسهل طرق الحوار؟ إنه منطق أميركي معكوس وشاذ كما في كل مرة تدافع فيها واشنطن عن سياسات حليفها الاستراتيجي كيان الاحتلال الإسرائيلي.
وكما قال الفلسطينيون إن "الدول التي صوتت لصالح فلسطين، منسجمة مع مبادئها، وترسل رسالة أمل إلى الشعب الفلسطيني، وتأكيد على دعم فلسطين وللحل القائم على الدولتين، والحفاظ على هذا الحل، في وقت تعمل فيه "إسرائيل"، السلطة القائمة بالاحتلال، وحلفاؤها على تقويض حل الدولتين". فقد كشف ـ كالعادة ـ الحلفاء والوسطاء المخلصين لـ"المبادئ" الإسرائيلية والذين يميلون كل الميل على الجانب الفلسطيني والعربي لتقديم تنازلات بلا أي مقابل، فمجرمو الحرب الإسرائيليون يصنعون الكارثة ويجدون من يلتمس لهم العذر ويدافع عنهم.
وما من شك أن نجاح الفلسطينيين في معركتهم هذه برفع علم فلسطين في الأمم المتحدة بجوار أعلام الدول الأعضاء هو خطوة ثانية في معركتهم نحو استعادة حقوقهم المسلوبة والاعتراف الكامل بدولتهم الفلسطينية بعد نجاح خطوة الاعتراف بها صفة دولة مراقب في المنظمة الدولية، على أمل استمرار النضال الفلسطيني لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس يرفرف فوقها العلم الفلسطيني، بإذن الله.