[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/suodalharthy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سعود بن علي الحارثي[/author]
مع الأسئلة التي يطرحها البعض حول الفوارق بين اختصاصات مجلس الشورى ومجالس البلدية أو المخاوف من أن تتداخل اختصاصات أعضاء مجلس الشورى مع أعضاء المجالس البلدية، فلا بد من التأكيد على أن صلاحيات مجلس عمان ((الدولة والشورى)) وآليات عمله ولوائحه الداخلية والأطراف التي يتعامل معها تختلف في حقيقة الأمر كلية عن مهام واختصاصات المجالس البلدية التي تختص وفي (حدود السياسة العامة للدولة وخططها التنموية, بتقديم الآراء والتوصيات بشأن تطوير النظم والخدمات البلدية في نطاق المحافظة)

خامسا: قراءة في حيثيات صدور المرسوم السلطاني رقم 99/2011م, وبعض مواده الخاصة بصلاحيات مجلس عمان 2/2
لقد جاءت الصلاحيات التي تضمنها المرسوم السلطاني رقم 99/2011م, لتشرك المواطن في عملية اتخاذ القرار, في رسم السياسات وإعداد الخطط والبرامج ومراجعة مشروعات القوانين وغيرها من المسائل والأمور والقضايا المهمة ذات العلاقة بحاضره ومستقبله, ولتضعه أي المواطن أمام مسؤولياته, فلم تعد الحكومة وحدها من يَتَحمَّل المسئولية ومن يَتَحمَّل الأعباء ولم تعد وحدها من يُحَمَّل مسئولية الإخفاق والخطأ. لقد أصبحت هي والمجتمع بكافة شرائحه مسئولين مسئولية تامة عن أي تراجع أو فشل أو خطأ, بل إن المواطن ومن خلال مستوى ودرجة مشاركته في الانتخابات وحسن اختياره لممثله في المجلس ومراجعته ومتابعته وتقييمه لأداء العضو يتحمل مسئولية كبيرة ومحورية في عملية التنمية، وفي تحقيق التطور، وفي إضافة لبنات أخرى إلى ما تحقق على أرض عمان, ومجلس الشورى في أشد الحاجة إلى ممثلين يتميزون بالكفاءة والخبرة والقدرة على الحوار والتحليل وتقديم الرأي المحكم, ويحملون مؤهلات علمية في مختلف التخصصات نظرا للأعمال والمسئوليات والملفات التي ينظرها المجلس ولجانه وتدخل في اختصاصاته القانونية والاقتصادية والبيئية والتعليمية والاجتماعية وغيرها. الصلاحيات وكما أقرأها ويقرأها الكثيرون جاءت ملبية لطموح المواطن وتطلعاته في هذه المرحلة, فقد انطلق المرسوم السلطاني رقم 99/2011م, بمسيرة الشورى خطوات مهمة نحو التطور بما تضمنه من صلاحيات مهمة وأساسية في العمل البرلماني, وبما قدمه من إضافات حقيقية ومؤثرة على الحقل الشوروي, وهو ما أسهم دون شك في تحقيق ممارسة برلمانية بدأت ملامحها تبرز تدريجيا منذ الجلسة العلنية الاستثنائية لمجلس الشورى بتاريخ 29/10/2011م, والتي خصصت لاختيار أول رئيس منتخب للمجلس, وقد تابعها العالم مباشرة عبر شاشات التلفزة, ومن خلال دراسة مجلس الشورى كذلك وإقراره للائحته الداخلية بموجب المادة (58) مكررا (25) من النظام الأساسي للدولة, والتي رفعت عدد اللجان الدائمة من خمس لجان إلى عشر لجان دائمة وأقرت عددا من الوسائل والأدوات البرلمانية ونظمت مسارات وآليات عمل المجلس وتنسيقه مع مجلس الوزراء والمؤسسات الحكومية الأخرى فيما يتعلق بممارسة صلاحياته التي نص عليها النظام الأساسي للدولة, وقيامه أي مجلس الشورى بدراسة وطرح وتبني العديد من القضايا الوطنية والموضوعات التي تهم المجتمع العماني عبر وسائل وأدوات برلمانية متعددة تتمثل في: البيان العاجل حيث يحق ((لكل عضو أن يطلب كتابة من الرئيس وقبل موعد الجلسة بوقت كاف الإدلاء ببيان عن أمر عاجل ومهم يتعلق بالمصلحة العامة للبلاد...)) ـ طلب الإحاطة, فلكل ((عضو أن يطلب إحاطة الحكومة بأمر له أهمية عاجلة ويدخل في اختصاص من وجه إليه, وأن يطلب من الحكومة إحاطة المجلس علما ببيانات أو معلومات تدخل في اختصاصات المجلس وتعينه على ممارسة صلاحياته...)) ـ إبداء الرغبة ((للحكومة في تطوير الخدمات وتعزيز التنمية...)) ـ السؤال ويقصد به ((استفهام العضو عن أمر يجهله أو عن واقعة وصلت إلى علمه للتحقق من حصولها, أو للاستفهام عن نية الحكومة في أمر من الأمور...)) ـ طلب المناقشة, إذ يجوز ((بناء على طلب كتابي موقع من خمسة أعضاء على الأقل طرح أحد الموضوعات العامة التي تدخل في اختصاص المجلس للمناقشة وتبادل الرأي فيه مع الوزير المختص...)) ـ البيان الوزاري ومناقشة المجلس الوزير حول محاور البيان. ـ لجنة تقصي حقائق, وهنا يحق للمجلس ((تشكيل لجنة لتقصي الحقائق أو تكليف إحدى لجانه بذلك في موضوع يدخل في اختصاصها بناء على طلب موقع من عشرة أعضاء على الأقل....)) ـ الاستجواب, ويتطلب ليكون قانونيا أن يتقدم خمسة عشر عضوا على الأقل بطلب ((استجواب أحد وزراء الخدمات في الأمور المتعلقة بتجاوز صلاحياتهم بالمخالفة للقانون)). ومراجعته أي المجلس وإبداء ملاحظاته ورؤاه على مشروعات القوانين والاتفاقيات والموازنة العامة للدولة التي تحال إليه من الحكومة بموجب المواد القانونية التي نص عليها النظام الأساسي للدولة, والمتابع لنشاط مجلس الشورى ودوره التشريعي والرقابي خلال هذه الفترة, يخرج بقراءة مبشرة ومتفائلة تؤكد على بروز حقيقة الدور البرلماني في صلاحيات تشريعية ورقابية واضحة، تتمثل في مراجعة مشروعات القوانين والموازنة العامة للدولة والخطط الخمسية ومشروعات الاتفاقيات الاقتصادية والاجتماعية، والتقرير السنوي لجهاز الرقابة المالية والإدارية, هذا فضلا عما تحيله الحكومة إلى المجلس من موضوعات وتقارير ومعلومات تختص بقضايا الوطن والمواطن. لقد سجل مجلس الشورى إنجازات مقدرة فيما يتعلق بدراسة عدد من الموضوعات الهامة التي قدم رؤيته وتوصياته حولها, والتي أخذت الحكومة بالكثير منها, ووجدت صدى إيجابيا لدى المجتمع مثل: الباحثين عن عمل ـ قضية رمال بوشر ـ دراسة حادثة دخول مياه الأمطار إلى مستشفى النهضة ـ دراسة واقع ذوي الإعاقة في السلطنة ـ موضوع صندوق الزواج ـ القروض الشخصية ـ واقع المعلم في السلطنة ـ إنشاء مجمعات سكنية وتمليكها بأقساط ميسرة ـ آليات تحقيق الأمن الغذائي والمائي ... وفيما يتعلق بمشروعات القوانين والاتفاقيات الاقتصادية والاجتماعية المحالة من الحكومة، فقد تجاوزت الثلاثين قانونا وستة عشرة اتفاقية, يأتي من أهمها: قانون الطفل ـ التعديلات المقترحة على بعض أحكام القانون المصرفي ـ قانون مزاولة المهن الطبية البيطرية ـ قانون تنظيم وتخصيص قطاع النفايات ـ قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار ـ قانون حماية المستهلك ـ بعض أحكام قانون الوكالات التجارية ـ قانون النقل البري...
وحول ممارسة الأدوات والوسائل البرلمانية, فقد قدم أعضاء المجلس واستمعوا وتلقوا عددا منها وذلك على النحو التالي: أولا: طلبات الإحاطة المقدمة من الأعضاء وقد بلغ عددها أكثر من ستين طلبا. ثانيا: الرغبات المبداة وقد تجاوزت الثلاثين موضوعا. ثالثا: الأسئلة البرلمانية التي وجهها الأعضاء إلى الوزراء المختصين وقد زادت عن تسعين سؤالا تضمنت عددا من القضايا والموضوعات التي تهم المواطن وتخدم مصالحه, إلى جانب أربعة بيانات عاجلة ـ كما شكل المجلس ثلاث لجان تقصي حقائق حول: ـ مشروع موريا والمدينة الطبية في محافظة ظفار. ـ الخدمات التي تقدمها الهيئة العامة للكهرباء والمياه. ـ موضوع الطيران العماني, كما تلقى المجلس تقارير وزارية من الوزارات الحكومية حول إنجازاتها والمشاريع التي تنفذها, وتقدم الأعضاء برسائل تتعلق بمواضيع تخص المواطنين, كما استضاف المجلس عددا كبيرا من وزراء الخدمات لإلقاء بياناتهم الوزارية أمام المجلس والإجابة على أسئلة وملاحظات الأعضاء في جلسات بثت عبر شاشة التلفزيون العماني ووسائل الإعلام الأخرى وفي موقع المجلس, وتتم متابعة الوزراء بشأن الوعود التي تعهدوا بها أمام المجلس في هذه الجلسات حول المشاريع والأعمال وتجويد الخدمات ومعالجة بعض الإشكالات ... وتلقى المجلس رسائل من مؤسسات ومواطنين حول مواضيع وقضايا للنظر فيها من قبل المجلس، وقد أحيلت إلى جهات الاختصاص ضمن اختصاصات المجلس ومسئولياته, والتقى رئيس المجلس ونائباه وأعضاء المجلس بعدد كبير من المواطنين ومؤسسات المجتمع لمناقشة والاستماع إلى ملاحظاتهم ومطالبهم ورؤاهم في قضايا ومسائل وطنية, هذا إلى جانب الكثير من الجهود التي قام بها بعض الأعضاء, متابعة وطرحا وإعدادا لمذكرات وأوراق عمل حول قضايا تهم المواطن وتخدم مصالح الوطن. كما شارك بعض أعضاء المجلس بفاعلية في الكثير من الأنشطة والفعاليات والندوات والأعمال المختلفة المحلية, والمتسمة بعمق الطرح وجرأته وبقوة الحجة والشفافية, ما وجد تأثيرا إيجابيا وقبولا جيدا في نفس المواطن, وهو ما يحتاج إليه المجتمع ويطالب به بقوة. أما على المستوى الخارجي فالمجلس وبحكم عضويته في الاتحاد البرلماني العربي والإسلامي والدولي ومشاركاته في مختلف الفعاليات والأنشطة البرلمانية الخليجية والعربية والدولية, وتشكيله للجان الصداقة وغير ذلك من الجوانب أصبح مشاركا في مناقشة وتداول القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها, ومؤثرا في اتخاذ القرارات التي تعبر عن سياسة السلطنة في مختلف القضايا والموضوعات. ويتجدد لدينا الأمل في أن تشهد الفترة القادمة للمجلس بروزا أكبر لهذا التطور وأكثر فاعلية للممارسة البرلمانية تتعزز معها ثقة المواطن بالشورى.
ووفقا لهذه الصلاحيات الموسعة والممارسة النشطة والحراك البرلماني الجيد التي يمارسها أعضاء المجلس وبحسب المتابعة والتقييم يمكن القول بأن مسيرة الشورى قد تجاوزت مرحلة العمل الاستشاري، وانتقلت في خطوات أولية نحو الممارسة البرلمانية, ولا شك بأن المتابعة الدقيقة لنشاط المجلس والقراءة الفاحصة لأعماله وإنجازاته ودراساته وتوصياته تؤكد على هذه الحقيقة. نعم لقد واجهت مجلس الشورى العديد من الصعوبات والإشكالات في ممارسة صلاحياته وتطوير أدائه، ولم يتمكن من تفعيل وتطوير بعض الوسائل البرلمانية، ما حد من مستور آمال وتطلعات وطموحات المجتمع لأسباب عديدة سوف نورد لها مقالا منفصلا في الأسبوع القادم ضمن هذه السلسلة.
ومما لا شك فيه بأن قيام المجالس البلدية بمسئولياتها ولأول مرة في توفير وتحسين الخدمات وإقامة وإنشاء المرافق والمشاريع وتطويرها، وتعزيز مسارات ومجالات التنمية في المحافظات والولايات، سوف يسهم في قيام مجلس الشورى وتفرغ أعضائه للعمل البرلماني وممارسة الدور التشريعي والرقابي وفقا للاختصاصات التي نص عليها النظام الأساسي للدولة, ومع الأسئلة التي يطرحها البعض حول الفوارق بين اختصاصات مجلس الشورى ومجالس البلدية أو المخاوف من أن تتداخل اختصاصات أعضاء مجلس الشورى مع أعضاء المجالس البلدية، فلا بد من التأكيد على أن صلاحيات مجلس عمان ((الدولة والشورى)) وآليات عمله ولوائحه الداخلية والأطراف التي يتعامل معها تختلف في حقيقة الأمر كلية عن مهام واختصاصات المجالس البلدية التي تختص وفي (حدود السياسة العامة للدولة وخططها التنموية, بتقديم الآراء والتوصيات بشأن تطوير النظم والخدمات البلدية في نطاق المحافظة), في حين أن صلاحيات مجلس عمان تختص بالمجالات التشريعية والرقابية, وتتمثل في مراجعة وإبداء الملاحظات على مشروعات القوانين والخطط الخمسية والموازنات العامة للدولة والاتفاقيات الاقتصادية والاجتماعية, ودراساته ووسائله البرلمانية تأخذ الطابع العام, ويرفع أعماله وتوصياته وملاحظاته إلى المقام السامي أو مجلس الوزراء وفقا لما نصت عليه مواد النظام الأساسي للدولة بشأن مجلس عمان, وهو ما يجب أن يعيه أعضاء كلا المجلسين وهم يقومون بممارسة مسئولياتهم والقيام بأدوارهم الهامة التي تصب في مصلحة الوطن والمجتمع.