ليست هي المرة الأولى وقد لا تكون الأخيرة مما يحصل للمسجد الأقصى من عملية اقتحام ومنع وتكسير من قبل الصهاينة. فلقد اعتدنا على المشهد المتكرر، وهو مشهد سيظل غير مألوف لأنه اعتداء صارخ على مكان هو واجهة بلاد الإسلام، بل هو التراث والإرث الديني الذي يعتز به المسلمون أينما كانوا.
لقد طغى الصهاينة بالأمس إلى الحد الذي لم يعد مقبولًا من إطلاق رصاص واعتداءات على الأهالي وفرز الناس حسب أعمارهم. ويبدو أن الصهيوني الذي يعيش فترته الذهبية بمناسبة الوجع العربي المقيم في أقطار العرب، نسي أن للأقصى شهداءه، وله تاريخه، وله عروبته، وله مسلموه .. إنه المكان المقدس الذي يجب أن لا يسمح فيه لأي من هؤلاء المدنسين أن يقتربوا منه أو يحلموا مجرد الاقتراب.
إذا كان الأقصى قد فجر في الماضي إحدى أكبر الانتفاضات، فهو جاهز لانتفاضة جديدة، ومخطئ من يظن من أهل السلطة أن بالإمكان التمادي في حجر حريات الشعب الفلسطيني مقابل لا شيء صهيونيًّا .. وكلما قدم الفلسطيني ضعفًا متزايدًا أمام المحتل الإسرائيلي زاد هذا الأخير في غيه .. وإذا كان قد مر على اتفاقية أوسلو المشؤومة اثنان وعشرون عامًا كبل فيه الفلسطينيون بما لم يحصل في تاريخهم، فإن هذا الشعب الأبي سيظهر في وقت قريب أنه ليس كما يعتقد ساسته وقياداته، وإنما هو ابن التاريخ الجهادي والنضالي، ابن الكفاح المسلح وشعب الجبارين.
ليس الأقصى مجرد مسجد عادي أو منبر للإطلالة الإسلامية، إنه في مهجة الروح يسكن، وفي قلب كل مؤمن محل له وسكنى، ولن يكون هنالك أبدًا طريق إلى الحرية إذا لم يكن الأقصى عنوانه.
فكفى اعتداء على ما هو أكبر من رمز إسلامي، وكفى استهتارًا بقيم المسلمين وهم يعرفون أي القداسة يشكلها مسجدهم هذا.. وكفى تلك السياسة المعروف بـ"فاوض ثم فاوض" التي أوصلت شعبها إلى موقع لم يصله طيلة نضاله، وهو استخفاف الصهيوني به، بل القول أكثر من ذلك، إن حياة الفلسطيني اليوم تقوم على رضا إسرائيل منه، وتحديدًا من دور قيادته التي ما زالت تقدمه على أنه الفلسطيني الجديد الذي تخلص من المقاومة.
لن يحصل هذا الأمر، فما زال الشعب الفلسطيني الذي تصدى بالأمس بيديه الفارغتين الأعزل من كل سلاح، لتلك العنصرية الجارفة التي إنما تمارس قوتها من خلال مفاعيل الصمت الفلسطيني على ما وصل إليه كيان الاحتل الإسرائيلي الذي تجاوز كل حدود، سواء في خروقات مستوطناته للضفة الغربية، وتقطيع أوصالها بأكثر من ستمئة حاجز لجنوده، أو سواء الأموال التي تصل عبره إلى الفلسطيني كي يتمكن من دفع رواتب موظفيه.
إن هكذا ضعف يولد تلك النتيجة، لكن الأفعال الكبرى قد تبدأ أحيانًا بشرارة، وكم شرارة أشعلت السهل كله كما يقول الصينيون. لذلك، الموانع التي فرضت على الشعب لن تدوم طويلًا، وليكن معلومًا للمحتل الإسرائيلي أن همجيته سيكون لها ما يقابلها في المستقبل القريب .. ولا يخدعن أحد إذا ما كان الفلسطيني حتى الآن لم يمارس حقه الطبيعي في الدفاع عن مقدساته وأرضه وحقوقه بالطريقة التي ستفاجئ العالم ذات نهار نراه قريبًا ويراه رافضو المقاومة والانتفاضة ومؤيدو التفاوض بعيدًا.