فيما نجح مئات الآلاف من اللاجئين والمهاجرين في عبور البحر المتوسط منذ بداية العام 2015 وحتى الآن، متجاوزًا هذا العدد ضعف إجمالي من عبروا البحر المتوسط العام الماضي، بحسب المنظمة الدولية للهجرة .. ناهيك عن مئات آخرين ابتلعهم البحر، نجد أن نصيب السوريين من هذه الأرقام في تصاعد مستمر، وفي سابقة هي الأولى لدولة طالما احتضنت لاجئين وآوت نازحين، لكن تعامل المجتمع الدولي مع هذه الأزمة لا يتعدى إدارة العرض دون الخوض في علاج المرض.
فعلى الرغم من تشديدات تضعها أوروبا على سواحلها ومنافذها البرية من أجل منع ما تسميه "أخطار ديموغرافية أو أمنية" تراها في المهاجرين، أعلنت منظمة الهجرة الدولية التي يوجد مقرها في جنيف، الجمعة الماضية، أن أحدث الأرقام تقول إن أكثر من 309 آلاف شخص وصلوا عن طريق البحر إلى اليونان، وإن نحو 121 ألفًا غيرهم وصلوا إلى إيطاليا، كما توجه 2166 مهاجرًا ولاجئًا إلى إسبانيا، و100 آخرون إلى مالطا.
ويضاف إلى هذا العدد مئات آخرون، كان مصيرهم الدفن في أعماق البحر المتوسط الذي يمكن القول إن أسماكه اعتادت على مذاق لحوم البشر.
وفي تصريح صادم، توقعت الأمم المتحدة أن ينزح مليون سوري آخرون من بلادهم بنهاية هذا العام، الأمر الذي سيؤدي بطبيعة الحال إلى ازدياد عدد من ينوي منهم عبور البحر، سعيًا إلى الشاطئ الأوروبي، وهو الأمر الذي دفع أوروبا إلى الدخول في اجتماعات متوالية.
ومنذ شروع أوروبا في هذه الاجتماعات التي لا تخلو من إلقاء المسؤولية على السوريين، تراجعت الأخبار التي تتناول حوادث غرق المهاجرين، الأمر الذي يستدعي النظر ويثير الشكوك حول النوايا من وراء هذه النفضة الأوروبية، خاصة وأن هناك شواهد سابقة رفعت شعارات التصدي لقمع المعارضين وإرساء الديمقراطية، والقضاء على الأسلحة الكيماوية قبل تحريك ملف اللاجئين والوضع الإنساني.
كما أن هذه الاجتماعات لا يخرج جدول أعمالها عن البحث في كيفية التعامل مع المهاجرين، وبخاصة السوريون منهم، متناسيين اجتماعات سابقة عقدوها تحت مسميات عدة منها (أصدقاء سوريا) ساهمت في تأجيج الأزمة عبر ملايين الدولارات التي ضخت لتسليح إرهابيين وتكفيريين ومرتزقة، كانوا هم سببًا أساسيًّا في جعل حياة من كانوا آمنين في أوطانهم أقرب للمستحيلة.
وتناسى من يتباكون على أحوال السوريين الآن أن ثمن رصاصة واحدة من ملايين الرصاصات التي وجدت طريقها إلى صدور السوريين، كان يكفي لوجبة ولو ضئيلة تسكت صراخ طفل يشكو الجوع في أحد مخيمات اللاجئين.
حتى ولو صدقت النوايا هذه المرة ـ وهو أمر تستبعده الشواهد، وكان الحراك الرامي إلى التعامل مع مسألة الهجرة، هدفه إيقاف هذا الطوفان البشري الذي باتت لقيمات لسد الجوع هي أكبر أحلامه ـ فإن حل هذه الكارثة الإنسانية لا يكون إلا بعلاج المرض الأساسي المتمثل في ما آلت إليه الأحوال داخل سوريا .. فحل الأزمة السورية لا يحتاج إلى عصا سحرية، كل ما يتطلبه يتمثل في إيقاف دعم الإرهابيين، والعمل على إيجاد حل سياسي يمر من خلال طاولة الحوار الجدي، وهي مسؤولية لا تقع على أعتاق من يستقبلون المهاجرين فقط، بل هي مسؤوليتنا الأولى نحن كعرب وأشقاء للشعب السوري قبل أن تكون مسؤولية الإنسانية كلها.

المحرر