خلال كلمة السلطنة في المنتدى العالمي للعلوم الاجتماعية بجنوب افريقيا

اختتمت أمس في مدينة دربان بجنوب أفريقيا أعمال المنتدى العالمي للعلوم الاجتماعية والذي بدأت أعماله يوم الأحد الماضي بمشاركة السلطنة وعدد كبير من دول العالم ناقش خلاله المشاركون عدداً من القضايا والتحولات الاجتماعية التي تواجه المجتمع في دول العالم.
وقد شاركت السلطنة بوفد برئاسة معالي الشيخ محمد بن سعَيد الكلباني وزير التنمية الاجتماعية بالإضافة إلى اللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم وبحضور سعادة مبارك بن سالم الزكواني سفير السلطنة المعتمد لدى جمهورية جنوب أفريقيا ، وقد ألقى معالي الشيخ وزير التنمية الاجتماعية كلمة السلطنة في هذا المؤتمر والتي قال فيها : يسعدنا أن نشارك في هذا المنتدى المقام في جمهورية جنوب أفريقيا التي استطاعت أن تسطر أروع القصص في التضحية من أجل العدالة الاجتماعية ، ويعد برنامج التحولات الاجتماعية (موست) الذي انطلق في مارس من عام 1994 أول مباردة دولية حكومية يتم انشاؤها ضمن منظومة الأمم المتحدة كجزء من برنامج قطاع العلوم الاجتماعية والإنسانية لليونسكو ، ويركز على مبادئ هامة يستطيع من خلالها الدفع بالمجتمع إلى مزيد من التطور في الجوانب الاحتماعية والاقتصادية ، وقد شهدت السلطنة خلال العقود الماضية بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ نقلة نوعية في الاهتمام بمختلف الجوانب الاجتماعية والاقتصادية للمواطن ، وفي النظام الأساسي للدولة الذي صدر بموجب المرسوم السلطاني رقم 101/96 مواد عن الحقوق والحريات لأفراد المجتمع العماني حيث تؤكد المادة 10 على إقامة نظام اداري سليم يكفل العدل والطمأنينة والمساواة للمواطنين ويضمن الاحترام للنظام العام ورعاية المصالح العليا للوطن ، وأفرد النظام الأساسي بند أن الأسرة أساس المجتمع وينظم القانون وسائل حمايتها والحفاظ على كيانها الشرعي وتقوية أواصرها وقيمها ورعاية أفرادها لتنمية ملكاتهم وقدراتهم .
كما أكد معاليه خلال كلمته بأن الاقتصاد يعتمد بشكل رئيس على عائدات النفط والغاز لتمويل جميع برامج الإنفاق ولكون هذا المصدر آيل للنضوب فقد ركزت الدولة على تنمية الموارد البشرية بتعليمها وتدريبها وتوفير الدعم المالي لإنشاء مشاريع تستطيع من خلالها العمل والمنافسة في السوق المحلي والاقليمي من خلال توفير بيئة تنافسية ومحفزة تشارك فيها الأيدي العاملة الوطنية بشكل فعال في القطاعات الاقتصادية ، ومنذ بداية السبعينات من القرن الماضي شرعت السلطنة في نشر مظلة التعليم في كل المدن والقرى دون تمييز بهدف تسليح المواطن بالتعليم وفي نفس الوقت العمل على بناء نظام تعليمي يواكب المعايير العالمية ، حيث يتيح هذا النظام الفرص لتطوير قدرات الطالب ويشجع على التفكير والابتكار بدلا من التلقين ويؤكد على تعزيز التماسك الأسري واحترام العادات والتقاليد والتراث ويدعو إلى التعامل السوي والسلمي مع الغير أيا كان جنسه أو لونه أو ديانته.
وتطرق معالي الشيخ وزير التنمية الاجتماعية خلال كلمته إلى الصحة مؤكدا بأنه من أجل تحسين صحة أفراد المجتمع العماني انتشرت المراكز الصحية الأولية والمستشفيات في كل المدن والقرى ولا يزال التوسع في فتح المراكز الصحية الأولية والمستشفيات المرجعية مستمراً بهدف توفير أفضل الخدمات الصحية وتوفير العلاج المجاني لكافة المواطنين مع تركيز الاهتمام بصحة الأم والطفل ، مشيراً إلى أن السلطنة تتطلع إلى تطوير الاهتمام بالمجال الاجتماعي من خلال بناء الإنسان العماني المعتز بوطنيته القادر على التعامل بجدارة مع متطلبات عصره والمحافظة على أسرة قوية متماسكة تحظى بالدعم والرعاية والحماية الاجتماعية ، مع تأكيد دور المرأة في الحياة لعامة والمشاركة في صنع القرارات الاقتصادية والسياسية ، لذلك انتهت الحكومة من وضع سياسة اجتماعية متكاملة للمرحلة القادمة تضمن استفادة الجميع من ثمار النهضة المباركة ، وتوزيع التنمية في كافة محافظات السلطنة بشكل متساو وتأتي الخطة الخمسية الثامنة للدولة 2016-2020 مركزة على تطوير المجال الاجتماعي في السلطنة من كافة جوانبه ، كما تعكف وزارة التنمية الاجتماعية حاليا على وضع استراتيجية للعمل الاجتماعي تتكامل مع التوجه الحكومي المشار إليه وكذلك الشأن مع القطاعات المعنية بالصحة والتعليم وغيرها ، بحيث يمكن القول بأن توجه السلطنة المستقبلي هو التركيز على الشأن الاجتماعي وتوفير كافة السبل والامكانات لتعزيزه وتطويره بتوجهات صريحة وواضحة من جلالة السلطان المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ وهذا المسار مع الضمانات الدستورية والقانونية والاستقرار الأمني والاقتصادي وتفاعل المواطنين مع جهود الحكومة يؤمل منه في نهاية المطاف أن يحقق العدالة الاجتماعية التي هي هدف كل حكومة تسعى لخدمة الشعب ، وفي ظل التطور الصناعي والتجاري والتغيرات في المناخ يظل الاهتمام بالبيئة في السلطنة منذ العقود الماضية محل اهتمام حكومي كبير بحيث أن المحافظة عليها من ضمن اولوياتها ويتم تنفيذ التنمية بكل حرص على البيئة ويزيد الاهتمام عندما يتم التعامل مع القضايا مثل آثار الارتفاع الحراري على مستويات المياه في السلطنة وقلة الأمطار والتلوث البحري والتلوث الكيميائي وهذا يفرض بدوره تقييم حدة المخاطر والتعامل مع المتغيرات المتوقعة وتضافر جميع الطاقات والجهود لمعالجة المشاكل التي قد تنجم عنها ، وما من شك فإنه بدون التعاون الدولي الفعال لن تستطيع الدول منفردة معالجة آثار التدهور البيئي الناتج عن النشاط الإنساني أو الأحوال الطبيعية الأخرى.
وتعد الكلمة التي قدمته السلطنة في المنتدى هي الوحيدة للدول العربية حيث لم تكن هناك أي مشاركة للدول العربية والخليجية في المنتدى الذي شهد إلقاء 8 كلمات للدول المشاركة من بينها السلطنة وعددا من دول العالم الأخرى.
وقد شهد المنتدى مناقشة عدد من القضايا الاجتماعية التي تهم دول العالم بأكمله ووضع أجندة التنمية للفترة القادمة لما بعد 2015 التي سيتم طرحها خلال اجتماع الأمم المتحدة في نهاية الشهر الجاري بنيويورك ، وكان برنامج التحولات الاجتماعية هو أحد البرامج المهمة لليونسكو الذي يشجع ويعزز بحوث العلوم الاجتماعية، مما وضع البرنامج في موقع محوري في تعزيز الأهداف العامة لليونسكو ، والذي جاء في إطار الحاجة المتزايدة لتحسين وضع السياسات، وجرى إعادة توجيه البرنامج في مواضيع البحث المحددة أو طرائق العمل على حد سواء وقد تم ذلك أيضا استجابة للتوصيات التي صدرت عن المجلس الدولي الحكومي للبرنامج في شهر فبراير 2003، التي صادق عليها فيما بعد المجلس التنفيذي لليونسكو في دورته 166 ، وقد شهد العالم الكثير من التحولات الاجتماعية التي شملت معظم مجالات الحياة .
ولا تقتصر تلك التحولات على التقدم التكنولوجي الذي ينظر إليه العالم بإعجاب وتقدير لما وصلت إليه التكنولوجيا الغربية الحديثة من تقدم وتطور كبيرين، بل ان التقدم التكنولوجي أدى إلى تغيير في جميع مجالات الحياة ومرافقها ومنها الحياة الاجتماعية وعمليات التنشئة الأسرية. وتؤكد الدراسات ان هذا التقدم الحاصل له جوانب إيجابية لا يمكن لأي فرد أن ينكرها أو ينكر وجودها واهميته في حياته اليومية، وفي الوقت نفسه لها جوانب سلبية بدأت آثارها تظهر وأصبحت تندر بمخاطر ومشاكل اكبر في حالة عدم الانتباه إليها. ومن أهم مظاهر التغيير التي يواجهها العالم اليوم هو تأثير العولمة والإعلام وما أفرزته من تحولات على مظاهر الحياة الاجتماعية سواء على مستوى الفرد في الأسرة أو على مستوى المجتمعات بصورة عامة.