[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
لم نفكر بمستقبل الملايين من الناس الذين فرّوا من بيوتهم ومدنهم وبلدانهم هروبا من جحيم يومي نحو المجهول والضياع، وصل عدد الذين هاجروا إلى دول العالم من بلداننا العربية إلى دول العالم الملايين، من بين هؤلاء نصف مليون خلال الأشهر الأخيرة في أوسع وأخطر ظاهرة هروب من بلداننا العربية.
هناك فئة كبار السن وينقسم هؤلاء بين مرضى وفي عمر الكهولة وغيرهم، من بين هؤلاء اصحاب مهن اضطروا لترك مهنهم وأعمالهم وبين هؤلاء اصحاب محال أغلقوها نهائيا وهناك تجار غادروا تجارتهم، وهناك فئة من العلماء والنخب الفكرية والاكاديمية الذين اضطروا للهروب مع الهاربين ومرافقة عوائلهم والتخلص من جحيم بلدانهم اليومي الذي اصبح لا يطاق، جميع هؤلاء يتوزعون بين منتظر على قارعة الطريق للمجهول بكل ما يحمل من اخطار وغيوم عاصفة، وبين مغادر لمهنة وعمل يومي، وفي جميع الأحوال فإن مصادر ارزاق هؤلاء قد توقفت وطويت صفحات كثيرة ومتنوعة في حياتهم وحياة عوائلهم، ولأن الاعداد بالملايين فإن الكارثة تصبح اوسع وأكبر وأنها تعصف بأعداد ليست بالقليلة من ابناء الأمة.
عندما تبرز ظاهرة ما في مجتمعات العالم فإن دراستها والبحث فيها تكون من اولويات مراكز البحوث والدراسات الحكومية وفي الجامعات، ويسارع العلماء والمختصون لتأشير مخاطر ومنزلقات تلك الظواهر لتتوصل العقول إلى نقاط رئيسية، في مقدمتها، حجم الظاهرة، لنفترض زيادة الفقر أو التسرب من المدارس وربما ارتفاع نسبة التلوث البيئي، أو نسبة البطالة والجريمة وغيرها من الحالات الفردية التي تتحول إلى ظاهرة في المجتمعات، ثم تتم دراسة اسباب الظاهرة والتدقيق في تلك الاسباب بعد ذلك تحديد حجم خطورتها واتساعها وما تداعياتها المحتملة على المجتمع، وفي ضوء ذلك يتم وضع خطط وبرامج لمعالجة أس المشكلة، وتتبنى تلك المعالجات جهات مجتمعية وحكومية وقد يستدعي الأمر طلب تدخل منظمات دولية متخصصة في تلك الظاهرة أو مجموعة الظواهر.
إلا أن ما نشاهده ونسمعه من الجميع عبارة عن نواح وبكاء على اطفال يغادرون الحياة وأطفال يدخلون دهاليز معتمة ولا يعرفون أين تمضي بهم قافلة الحياة بعد أن اضطروا لمغادرة الدراسة والحيّ والبيئة والاصدقاء، وإذا كان الكبار قد قطعوا اشواطا من العمر فإن الصغار ما زالوا في تيه حياتي ليدخلوا إتون تيه مركب ومعقد وخطير.
وتبقى الأسئلة التي لا نجد اجابات حقيقية عليها تنصب على خطورة العتمة والغائمية التي تعصف بالملايين من اهلنا واطفالنا واجيال من هذا البلد وذاك، جميعهم اجبروا على صعود مركب الهجرة والغربة والنزوح دون أن تلوح بارقة أمل حقيقي لعلاج جوهري للملايين في أوسع وأخطر ظاهرة كارثية تعصف بنا.