شكلت الحالة الموسيقية في السلطنة نموذجا متميزا لرقي بالذوق العماني في إبداعه ونخبويته بل وفي تفرده ، وهذه الحالة لا تعكس الرغبة الحقيقية في الوصول إلى تلك المرحلة فحسب بل انها تتصل إلى السمو بالذائقة والذهاب بها إلى مكان اكثر علوا يتصل مع الآخر ويجسّر العلاقات بين الشرق والغرب، ليؤكد الرسالة النبيلة التي تنتهجها الموسيقى عبر رعاتها وافرادها، ونغماتها وإبداعها.
واليوم.. تحتفل الأوركسترا السيمفونية السلطانية العمانية على خشبة مسرح دار الأوبرا السلطانية مسقط بالذكرى الثلاثين لتأسيسها (الاوركسترا) وتعد هذه الاحتفالية مرحلة متقدمة لسمو التجربة في نموذج عماني راق تعامل مع الموسيقى من مبدأ ثقافي وفكري له اهدافه الراقية تحت الرعاية السامية وتوجيهات جلالة السلطان المعظم بإنشاء الأوركسترا السيمفونية السلطانية العُمانية في شهر سبتمبر عام 1985م ، حيث جابت في مسيرتها محطات بارزة في اقطار العالم لتؤسس لجيل واعد من مؤلفي الموسيقى وقادة عمانيين للأوركسترا وعازفين منفردين ومدرسي آلات موسيقية بكافة أنواعها ساهم جلهم في تطوير الموسيقى العُمانية بتقليديتها ألأصيلة إلى فضاء معاصر لا تنقصه الرحابة ، بل يؤكد ليحافظ على روحها الخاصة التي تميزها.
تعد الاوركسترا السيمفونية السلطانية العمانية أول فرقة لموسيقى كلاسيكية في الجزيرة العربية بدأ فيها الحرس السلطاني العماني مجسدا الاهتمام السامي تجاه هذه الفرقة لإدخالها إلى حيز الواقع منذ ذلك الحين بتأسيس عدد كبير من العازفين العمانيين للخوض في تجربة جريئة ترتقي بالذوق الموسيقي العام رغم حداثته في اوساط جيل لم يعهد هذا النوع من الموسيقى وفي مكان بدأت نهضته الحقيقية منذ السبعين، حيث تأسست الفرقة بهدف التأكيد على أن الجيل العماني من الشباب هو العمود الفقري لها ليؤسس خبرات نوعية في مستقبل بات واقعا الآن ، لأنه انطلق اساسا من مبدأ توافر المهارات الفنية القادرة على تنمية الحس الموسيقي بمرافقة برنامج دراسي متخصص ومكثف يخضع له المتدربين اثناء التحاقهم بالفرقة ، وقد شهد نوفمبر من العام 1988م انضمام مجموعة من الطالبات العمانيات للفرقة ، وفي عام 1993م انتقلت الأوركسترا السيمفونية السلطانية العمانية الى مبناها الخاص الذي شهد استضافة العديد من مشاهير العزف المنفرد واستضافة الشخصيات المرموقة من قادة الاوركسترا العالميين.
ومنذ تلك اللحظة انطلقت الاوركسترا السيمفونية السلطانية العمانية لتؤسس ثقافة موسيقية عمانية خالصة وعالمية جامعة كان لها الأثر البالغ في الرقي بالحس الموسيقي الذي هو الآخر قاد المهتمين بعدم العبث بالموسيقى الراقية والابتعاد عن كل ما هو هابط ذوقا وفنا ، وقد أكد الاهتمام السامي هذه المرحلة من التطور نحو إنشاء دار الأوبرا السلطانية مسقط التي لتكون حاضنة للإبداع العماني في مختلف موسيقاه الخالصة ، وللموسيقى عموما ، لتجني مرحلة انشاء الاوركسترا السيمفونية السلطانية العمانية وتطورها ثمار ذلك الاهتمام الذي انعكس في الحضور النخبوي للفعاليات التي تقام في الدار.
تعد مرحلة الاحتفاء بالذكرى الثلاثين لتأسيس الاوركسترا السيمفونية السلطانية العمانية مؤشر لتجربة ابداعية حققت اهدافها وتسعى لتعزيز السمو نحو الأهداف بالشكل المشرف الذي نفتخر ونعتز به ، آملين ان تعاود هذه الاحتفالات ونحن نشهد نمو هذه التجربة نحو فضاءات اكثر عمقا واسمى تجربة وارقى ابداعا كما اراد لها باني نهضة عمان ان تتحقق مع كل مرحلة من مراحل تطور الفرقة التي ذاع صيتها عالميا ونشرت تاريخها الموسيقي بالصورة المثلى التي تعرّف الآخر بـ "عمان" وتعزز مكانة السلطنة المرموقة عالميا نحو فضاء ارحب لا يمكننا معه الا ان نبارك له تتويجا لمرحلة وانتقالا لمرحلة أخرى نرجوها اكثر إشراقا .. فتحية إجلال وتقدير لمؤسس هذا الصرح الإبداعي الجميل وكل عام والاوركسترا السيمفونية السلطانية العمانية متميزة ومتألقة بإبداعها.

فيصل بن سعيد العلوي
@faisalalawi