لا تزال الدعوة الروسية لتشكيل تحالف جدي لمحاربة الإرهاب تعطي ارتداداتها السياسية والميدانية لدى معسكر التآمر والعدوان على سوريا، على نحو غير مسبوق، ما يكشف حجم النوايا المبيتة ليس ضد سوريا وحدها فحسب، وإنما ضد حلفائها، ويكشف أيضًا مدى عمق العلاقة القائمة بين هذا المعسكر (أي معسكر التآمر العدوان) وبين مختلف التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها تنظيم "داعش" الذي لم تتعدَّ محاربته الدعاية الإعلامية، وأن هذه التنظيمات الإرهابية، سواء كانت مجتمعة أو منفردة أوكلت إليها مهمة معينة تقف خلفها مجموعة من الأهداف المراد تحقيقها، أو مهمة يرتب على نتائجها مبررات لتحقيق أهداف وهكذا.
وتعد الحملة الشعواء السياسية والإعلامية ضد روسيا الاتحادية على خلفية إبداء جديتها في محاربة ومساعدة القوة على الأرض التي تحارب الإرهاب، وهي الجيش العربي السوري، دليلًا إضافيًّا إلى ما راكمته الأحداث من أدلة وبراهين تثبت مدى تورط المعسكر المعادي لسوريا في دعم الإرهاب ضدها وضد المنطقة عامة، فلم يعد مثيرًا للدهشة توسع رقعة الإرهاب القاعدي المتمثل في ما يسمى "داعش والنصرة وجيش الفتح وجيش الإسلام" تحت مظلة الاستراتيجية الأميركية وما استتبعها من تشكيل تحالف ستيني، ولم يعد أحجيةً سببُ رفض قوى هذا التحالف مشاركة الجيش العربي السوري، القوة الفاعلة والحقيقية التي تحارب الإرهاب، فضلًا عن الدعم المادي والتسليحي للتنظيمات الإرهابية في مواجهة الجيش السوري.
صحيح أن تحركات كل من الروسي والأميركي من قضية محاربة الإرهاب في سوريا وفي المنطقة تفرز بين ما هو شرعي ويندرج تحت القانون الدولي والشرعية الدولية، ويرتكز على المبادئ والوضوح والصراحة والشفافية، وبخاصة حين أعلنت موسكو على الملأ وبالفم الملآن أن ليس لديها ما تخفيه، وأنها تدعم سوريا بموجب اتفاقيات ومعاهدات ووفق القانون الدولي، وبين ما يمكن إدراجه في خانة التهريج والدعاية وفائض النفاق الذي يخفي نوايا حاقدة ومدمرة تجاه سوريا شعبًا وجيشًا وقيادةً، حيث لم تكن محاولة ممارسة ضغوط وبناء رأي عام للتحريض ضد روسيا وتشويه دورها تجاه تحركها لإنقاذ سوريا من دهماء الإرهاب، سوى محاولة لاجترار الماضي باستنساخ تجربة أفغانستان ضد الاتحاد السوفيتي السابق، ولتبرير التدخل في الشأن الداخلي السوري وانتهاك السيادة السورية، وتبرير دعم الإرهاب وتمويله وتسليحه. فشتان بين من يدعم حكومة شرعية منتخبة وجيشًا وطنيًّا ذا عقيدة، وشعبًا صامدًا في سوريا، وبين من يدعم الإرهاب ويموله ويسلحه ضدها.
إذًا، السلوك الناتج عن حالة العجز والتخبط لمعسكر التآمر والعدوان، يأتي في سياق الإصرار الممنهج والمتعمد لقوى المعسكر على اتباع سياسة تزوير الحقائق وبث الفوضى، وإشاعة الأخبار الكاذبة والخادعة التي تهدف إلى لفت الأنظار، وتشتيت الانتباه عما باتت تقوم به وبشكل صارخ وفاضح أمام الكواليس من دعم واحتضان للإرهاب الذي أصبحت تستخدمه وسيلة لتحقيق أجنداتها التخريبية والتدميرية.
من هنا يمكن للمتابع أن يقف على الدوافع الحقيقية وراء الاستنفار السياسي والتهويل الإعلامي لمعسكر التآمر والعدوان مما يدعيه من التواجد العسكري الروسي، والقول بأن هذا الحضور الروسي والدعم العسكري لسوريا في مواجهة الإرهاب يقوي "نظام" الرئيس السوري بشار الأسد، فبكل بساطة المعادلة تقول إن ضعف "النظام" السوري يعني قوة الإرهاب وتعاظمه بما يهدد الدولة السورية عن بكرة أبيها، وبالتالي هذا هو غاية ما يريده المتآمرون. ‏