لم يكن بالأمر السهل الانصات لحديثها وتقبله في نفس الوقت وذلك عندما بدأت تتكلم عن صديقها الذي يعيش معها منذ أكثر من عشر سنوات حيث أنها فضلته على عائلتها واختارت أن تقضي حياتها معه لأنه هو الوحيد الذي يفهمها ويقدرها بينما فشل الآخرون في ذلك، يتابعها دائماً يقف بجانبها في مرضها، وجوده في حياتها جعلها تستبعد التفكير في الزواج وإنجاب الأطفال خاصة أن الطفل قد يكلفها الكثير وبالتالي ستضطر إلى الإنفاق عليه أكثر من الكلب وهي تريد أن تستمتع بحياتها قبل أن تموت ، هكذا كانت إجابة المرأة اليابانية التي تجاوزت الأربعين عندما كان النقاش عن أقرب شخص في العائلة إلى المتحدث في الجلسة النقاشية حيث كانت تتحدث بكل إنسانية وتأثر عن صديقها جيمي وهو كلب من أصل بريطاني من فصيلة (كورجيس) وتفتخر كثيراً بوجوده معها وخاصة أن الملكة إلزابيث تمتلك نفس النوع من الكلاب ، كنت حينها أنظر إلى وجوه الحضور الذين أتوا من دول أوروبية ويبدوا أنه لم يندهش أحد غيري لأن وجود الكلاب في حياتهم أمر طبيعي حتى أن البعض يفضلها عن الإنسان ، وبين حيرة السكوت أو الخوض في تفاصيل الموضوع اخترت أن أتطرق إلى الموضوع وأجلب بعض التفاصيل لعلها تـقـنعني برأيها ولو القليل ، ولكن الحوار انتهى إلى نقطة مغلقة، حيث لم تستطع إقناعي بأن الإنسان يمكن أن يختار شريك حياته من الحيوانات وثقافة المجتمع الياباني تتجهه إلى اختيار الكلاب عوضاً عن الإنسان واعتبار هذا رمزاً من رموز الـتطور والانفتاح.
هنا تذكرت إحدى حلقات برنامج خواطر عندما تطرق أحمد الشقيري إلى إحدى المدن اليابانية التي أغلقت فيها مستشفيات أقسام الولادة منذ ما يقارب ثلاثة عشر عاماً والسبب هو قلة الإنجاب في اليابان بشكل عام وإنعدامه في تلك المدينة بشكل خاص.
وعلى الرغم من أن الحكومة اليابانية تسمح في الوقت الحاضر بإنجاب أي عدد من المواليد بعد أن سنت قانونا لا يسمح للأسرة بإنجاب أكثر من طفلين بعد الحرب الثانية واتجاه الحكومة اليابانية لإلغاء هذا القانون سببه الأول هو قلة عدد الأطفال وبالتالي الشباب حيث أن نسبة كبيرة من التركيبة السكانية يمثلون كبار السن حتى أن عدد الكلاب يفوق عدد الأطفال في المدارس ، والمحلات التجارية تبيع حفاظات كبار السن بدلاً من حفاظات الأطفال ، وذلك بحجة أن الطفل يكلف الكثير على العائلة وخاصة في المراحل التعليمية وبالتالي العائلة تكون غير قادرة على تغطية المصاريف فاتجهوا إلى الكلاب عوضاً عن الأطفال على الرغم من أن تربية الكلب مكلفة أيضاً لكنها توفر مصاريف الدراسة، وتعمل الحكومة اليابانية إلى استحداث برامج للتشجيع على الزواج والإنجاب وذلك بمساعدة الأسـر في تغطية مصاريف دراسة الأبناء، لأن بهذا الحال سوف ينقرض اليابانيون كما أنه سيتحول لمجتمع مستهلك فقط غير قادر على الإنتاج لغياب الشباب من تركيبته السكانية، ومن ضمن النقاط المهمة التي يعتبرها اليابانيون من أسباب التطور هو أن المرأة تُفضل العمل عوضاً عن التفكير في الزواج وتكوين أسرة وذلك لاعتقادهم أن الحياة هي إنغماس في العمل والاستمتاع بالحياة وتكوين أسرة قد يغير من مسار هذه الأهداف.
إذا كان التطور والإنفتاح يقود إلى هذا التفكير وإحلال الحيوان بدل من الإنسان، فنحن في نعمة لا نتمنى أن نفقدها يوماً ما، فليس هناك نجاح أكثر من تكوين عائلة والمحافظة على العلاقات الإنسانية والاستمرار البشري والعمل من أجل البقاء، صحيح أن إمبراطورية اليابان لا تدين بدين سماوي ومعتقداتهم وثقافتهم مختلفة عنا والمقارنة غير عادلة لاختلاف الأديان ولكن الخوف من أمواج الانفتاح الثقافي الذي لا يعترف بالدين أو أنه اعتراف سطحي والتي بدأت تغزو الجيل الجديد وسيتأثر بها الجيل القادم الذي أصبح ينظر إلى النجاح دون الاكتراث بالقيم والعادات الأصيلة في المجتمع مع تهميش الدين الذي هو الأساس والمرجع لحياتنا بشكل عام.

خولة بنت سلطان الحوسنية
@sahaf03