[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
على وقع تزايد النشاط العسكري الروسي داخل سوريا لم يتمالك مجرم الحرب بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي نفسه، فهرول مسرعًا إلى موسكو للقاء رجل الكرملين القوي فلاديمير بوتين ناقلًا إليه سلة مطالب وشروط قال عنها الارهابي نتنياهو إنها خطوط حمراء، فهل حصل الأخير على غطاء روسي لسلة خطوطه الحمراء حفظًا لماء وجهه؟ أم عاد وهو يجر أذيال الخيبة حاملًا معه سلته وقد عبئت بالخطوط الحمراء الروسية؟
أيًّا كانت نتيجة اللقاء، فالرد الروسي على لسان الرئيس فلاديمير بوتين كان واضحًا ولا يحتمل التأويل بأن سوريا لا تسعى إلى فتح جبهة الجولان، وأن كل الجهود القائمة، سواء من قبل الجيش العربي السوري أو من قبل القيادة السورية هي من أجل الحفاظ على الدولة السورية ومحاربة الإرهاب؛ أي أن العبث الإسرائيلي وانتهاك السيادة السورية ودعم الإرهاب يجب أن يتوقف، لانتفاء المبررات والحجج التي تدفع المحتل الإسرائيلي إلى التمادي في المساس بالأمن القومي السوري، وأن سياسة روسيا في منطقة الشرق الأوسط ستكون دائمًا مسؤولة تجاه الأمن والاستقرار في المنطقة وحماية مصالحها والوقوف إلى جانب حلفائها انطلاقًا من العلاقات القائمة، وعملًا بالاتفاقيات الموقعة.
ما من شك أن الرئيس بوتين بذلك التأكيد الذي أوصله لكيان الاحتلال الإسرائيلي حليف ما يسمى "جبهة النصرة وداعش ولواء اليرموك والجيش الحر وجيش الإسلام وغيرها من عصابات الإرهاب"، قد أرسى قواعد لعبة جديدة تتفق ومصالح روسيا في المنطقة، نزع بها المزاعم والذرائع الواهية والكاذبة التي دأب العدو الإسرائيلي على التذرع بها لتبرير عدوانه الإرهابي المتكرر ضد سوريا، وبالتالي تحييد سلاح الحرب الإسرائيلي على الأقل من التدخل المتكرر لدعم المعنويات المنكسرة والمنهارة لحلفاء الاحتلال الإسرائيلي من العصابات الإرهابية التي باسمه وأمنه وبقائه تدمر سوريا ويباد شعبها. فالسياسة الروسية المسؤولة التي أكدها بوتين تعني أن موسكو ملتزمة بالدفاع عن مصالحها في سوريا حتى لو أدى ذلك لاعتراض أو استهداف طائرات حربية إسرائيلية انتهكت السيادة السورية، أو أبعد من ذلك.
إن هذا التحول الروسي بإعادة التموضع في سوريا، جاء بعدما ثبت لدى روسيا الاتحادية أن هناك شيئا كبيرًا يجري طبخه بين معشر المتآمرين على سوريا يتجاوز الحديث عن محاربة تنظيم "داعش" الإرهابي لا سيما بعد إعلان البريطاني والفرنسي والأسترالي عن دخول دائرة انتهاك السيادة السورية، وأن الإرادة لدى هؤلاء تتعزز وشوكتهم تقوى لإنجاز ما خططوا له وحاكوه من مؤامرة ليس ضد سوريا فحسب، وإنما ضد روسيا لإخراجها من المنطقة بصورة كاملة وإبعادها نهائيًّا من البحار الدافئة؛ ومن ثم محاصرتها داخل حدودها الجغرافية، وردمها بالإرهاب الذي تُنتج عصاباته وتُفرخ في سوريا والعراق وليبيا والمنطقة، والتي تمثل عمودها الفقري العناصر الإرهابية الشيشانية والقوقازية والداغستانية، وصولًا إلى انهيار الدولة الروسية من الداخل وتمزقها.
ثمة معطيات كثيرة وأسباب قوية تجبر روسيا الاتحادية على حماية أمنها القومي، وتأمين ما تبقى لها من مصالح في المنطقة وفي سوريا تحديدًا، ومن بين هذه المعطيات والأسباب:
أولًا: تيقن موسكو أن الغرب ومن تحت عباءته، أثبت أنه مراوغ وعديم المصداقية ولا يمكن الوثوق به، ولا احترام لديه للشرعية الدولية والقانون الدولي، ويتخذهما مطية لتحقيق مشاريعه الاستعمارية إما اختراقًا لهما أو توظيفًا بادعاء التمسك بهما واحترامهما، وقد برز هذا المعطى من خلال حدثين هما: الأول، القرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي حول التدخل في ليبيا، وخرق القرار من قبل حلف شمال الأطلسي لإسقاط الدولة واغتيال زعيمها، وتحويل الدولة الليبية إلى دولة فاشلة وممزقة تنهشها عصابات الإرهاب التي رباها "الناتو" ومن في عباءته. أما الثاني فهو عدم استخدام موسكو حق النقض في مجلس الأمن ضد القرار الخاص بتشريع التدخل في اليمن، أملًا منها أن تحصل ما يقابل موقفها بشأن سوريا والمساعدة نحو الحل السياسي الذي تعمل عليه، ووقف دعم الإرهاب، فإذا بموسكو تجد الانتشار اللافت للإرهاب وعصاباته على الرقعة السورية والعراقية وبدعم من الغرب وتابعيه وعملائه، والنكوص عن ما بني للحل السياسي وفي عقر دارها (في مقر الخارجية الروسية).
ثانيًا: التعطيل المستمر من قبل معسكر التآمر والعدوان على سوريا للجهود السلمية نحو الحل السياسي، يقابله دعم غير مسبوق للإرهاب وتجميع عصاباته، مع انتشار واسع لتنظيم "داعش" الإرهابي وتمدده اللافت تحت مظلة ما يسمى التحالف الستيني المشكل لمواجهة التنظيم، حيث لعبت طائرات التحالف التي تدعي محاربة التنظيم دورًا كبيرًا في إلقاء السلاح والغذاء لإرهابييه، كما لعبت الأقمار الاصطناعية الأميركية والإسرائيلية هي الأخرى دورًا لتوجيه جحافل التنظيم في المناطق المستهدفة، سواء في العراق أو سوريا.
ثالثًا: استبعاد القوة الحقيقية التي تحارب الإرهاب وهي الجيش العربي السوري من التحالف الستيني ضد "داعش" الإرهابي، ما يؤكد أن هذه المواجهة لا تعدو عن محاربة دونكيشوت لطواحين الهواء، وأن النوايا هي أبعد من ذلك، يدخل في صميمها الجيش العربي السوري والتربص به لتدميره، مع ما يصحب ذلك من تصريحات تحاول اختزال سوريا في شخص الرئيس السوري بشار الأسد، وهذا أسلوب استعماري أصبح مكشوفًا بعد اختزال الغزاة العراق في شخص صدام حسين، واختزال ليبيا في شخص العقيد معمر القذافي.
رابعًا: إن الزعرنة الصهيو ـ أميركية، من موقف روسيا بدعم حليفتها سوريا، لا مبرر لها على الإطلاق، إنما هي تفضح النوايا الصهيو ـ أميركية المبيتة ضد سوريا، وتؤكد أن واشنطن وتل أبيب الطرفان الأصيلان في المؤامرة على سوريا وما عداهما مجرد أدوات وخدم ومشغَّلين، وأنهما عازمتان على تدمير سوريا كما فعلتا في العراق وليبيا وتفعلان في غيرهما الآن، بل إن دعم موسكو لدمشق هو التزام أخلاقي تمليه التحالفات والعلاقات القائمة والاتفاقيات المبرمة، واذا كانت الولايات المتحدة تبر دعمها لحليفها الاستراتيجي كيان الاحتلال الإسرائيلي بأعتى الأسلحة النوعية وآخر ما وصلت إليه صناعة السلاح، وتتدخل في شؤون دول المنطقة وبخاصة البترودولار بدعوى حمايتها وحماية مصالحها، تفعل روسيا أيضًا ذلك، بل إن روسيا على العكس من ذلك، لم تكن شيطانًا في تفاصيل الأزمات، ولم تختلق الأزمات والمؤامرات والفزاعات وتخوف أصدقاءها أو حلفاءها لتبتزهم، كما تفعل الولايات المتحدة مع من تطلق عليهم تارة مسمى حليف وتارة أخرى مسمى صديق، فيكفي ما يحصل الآن من تحويل أميركا لدول البترودولار إلى بقر حلوب.
من المؤكد أن واشنطن وتل أبيب مستعينتين بعملائهما وتوابعهما وخدمهما وأدواتهما، ستعمدان إلى اجترار الماضي في أفغانستان لاستنزاف الاتحاد السوفيتي السابق، لكن لا نعتقد أن روسيا ـ بوتين في غفلة من هذا، وإنما نوقن أنها قد استفادت من درس الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، خاصة وأن البدائل والظروف قد اختلفت عن السابق.