هناك عدد متزايد من صناع السياسات يرى أن الدمج المالي ـ أي فتح مجال أكبر أمام مختلف فئات السكان في بلد ما للحصول على الخدمات المالية ـ يعتبر أحد السبل لتشجيع التنمية الاقتصادية وجعلها تعمل لصالح المجتمع.
وفي دراسة لصندوق النقد الدولي شملت أأكثر من 60 بلدا، يلاحظ أنها بالفعل تبنت أهدافا واستراتيجيات وطنية للدمج المالي. ومن الأمثلة على ذلك فتح حسابات مصرفية لكل المواطنين في الهند وتشجيع استخدام منصات الدفع عن طريق الهواتف المحمولة في بيرو. وتشير الأدلة المستقاة من حالات الأفراد والشركات إلى أن زيادة فرص الحصول على الخدمات المالية تُحدث فرقا بالفعل في مجالات الاستثمار والأمن الغذائي والنتائج الصحية وغير ذلك من جوانب الحياة اليومية. وتبحث دراستنا في المنافع التي تعود على الاقتصاد ككل.
وتخلُص الدراسة إلى أن هناك منافع اقتصادية من زيادة الدمج المالي، إلى حد معين، ثم يتعين على البلدان تطبيق نظام للرقابة المصرفية عالية الجودة عند التوسع في إتاحة الائتمان.
وتلاحظ الدراسة أنه لا يزال العالم يشهد تحسنا في مستويات الدمج المالي، ولكن تظل هناك فجوات كبيرة. فقد زادت نسبة البالغين الذين لديهم حسابات مصرفية من 50% إلى 60% حول العالم بين عامي 2011 و2014. ومع ذلك لا يزال هناك حوالي مليارا شخص من البالغين "لا يتعاملون مع البنوك". وبالإضافة إلى ذلك، هناك 40% تقريبا من السكان أصحاب الحسابات المصرفية لا يستخدمون حساباتهم فعليا، في إيداع الأموال أو سحبها.
وتحجب هذه الاتجاهات العامة اختلافات كبيرة مزمنة بين مختلف البلدان والمناطق والأفراد والشركات. فبينما نجد مستويات الدمج مرتفعة في بلدان “منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي”، حيث تزيد نسبة السكان أصحاب الحسابات المصرفية عن 90%، نجد هذه النسبة أقل كثيرا في البلدان النامية، عند مستوى 54%، لا سيما في جنوب آسيا والشرق الأوسط.
وعلى مستوى العالم، نجد أن احتمالات حصول الرجال على حسابات مصرفية أكثر من النساء بنسبة 5%، وترتفع هذه النسبة إلى 9% في البلدان النامية. ويتضح من بيانات المسوح أيضا أن احتمالات شعور الشركات الصغيرة بقصور الائتمان المتاح أكبر كثيرا منها بالنسبة لنظيرها من الشركات الكبيرة، بنسبة تبلغ حوالي عشر نقاط مئوية.
كما تَخلُص الدراسة إلى أن الأنواع المختلفة من فرص الحصول على الخدمات المالية ـ كالحسابات، والائتمان، والبنية التحتية، وانتفاع المرأة وفئات الدخل المنخفض ـ تؤدي إلى تحسين النمو الاقتصادي، ولكن إلى حد معين. فهذه المنافع التي تعود على النمو تقترن بمنافع مستمدة من زيادة التعميق المالي.
وخلاصة الأمر أن العديد من الأهداف الاقتصادية الكلية يمكن تحقيقها بدعم من الدمج المالي. غير أن هناك حدودا يتوقف عندها الدمج المالي، كما أن منافعه تتضاءل عند ازدياد العمق المالي وفرص الحصول على الخدمات المالية، على حد سواء. وعلى وجه التحديد، نجد أن التوسع في إتاحة الائتمان قد يهدد الاستقرار إذا كانت الرقابة ضعيفة حيث تزداد احتمالات الافلاس والانهيارات المالية.

د. حسن العالي