حاولت هولندا أبان تغلغلها في الخليج العربي بأن تغري بعض شيوخ القبائل العربية، وتظاهرت لهم بعدائها للبرتغاليين، ومساندتهم في القضاء على الاحتلال البرتغالي مثلما فعلت إيران، واستنجدت ببريطانيا لتحرير جزيرة هرمز الذي كان حكامها من العرب تحت الاحتلال البرتغالي، ونجحت إيران في ذلك، وتوسعت حدودها تجاه بلوشستان، ولكنها دفعت الثمن غالياً للبريطانيين ووقعت تحت نفوذهم، ولهذا فإن العرب رفضوا استبدال استعمار أوروبي برتغالي باستعمار هولندي جديد، وفضلوا المقاومة بجهودهم الذاتية المتواضعة دون الاستعانة بأية قوة خارجية، ونجحوا في ذلك مثلما فعل اليعاربة العمانيون عندما حرروا بلادهم من الاستعمار البرتغالي، دون أن يستعينوا بالهولنديين أو البريطانيين، وأصبحوا من أقوى دول المنطقة، لأنهم أصبحوا أسياد أنفسهم، حتى أن الأوروبيين كانوا يعملون لهم الحساب ويخافون مواجهتهم.
وعندما فشلت شركة الهند الشرقية الهولندية في استمالة شيوخ القبائل العربية، عمدت إلى استعمال القوة بالتعاون مع الإيرانيين، وبذلك انتقلت شركة تجارية تريد تحقيق مكاسب اقتصادية وأرباح مالية، إلى استعمار جديد في المنطقة.
تمكنت الشركة الهولندية بفضل المساعدات العسكرية التي قدمتها لشاه إيران ضد العرب من إنعاش تجارتها، حتى أنها بادرت في عام 1747م إلى فتح وكالة تجارية جديدة في ميناء بوشهر، ولكن الشركة الهولندية وجدت نفسها محاطة بالأعداء سواء من قبل السلطات المحلية التي تقع وكالتها التجارية في دائرة نفوذهم، أو من قبل شركات الهند الشرقية الأوروبية الأخرى، لذا قررت الشركة الهولندية إغلاق وكالاتها التجارية، سواء تلك الوكالات التي كانت قائمة في الموانئ الإيرانية أو الموانئ العثمانية، وأخذت تركز جهودها على إحدى الجزر المحصنة، وهي جزيرة خرج التي تقع في المدخل الشمالي للخليج العربي، إذ أن موقع تلك الجزيرة على مقربة من البصرة وبوشهر مما يمكن أن يتخذها الهولنديون مركزاً للتحكم في تجارة الخليج العربي، ونقطة وثوب على البحرين أو البصرة، أو غيرهما من المواقع الأخرى على سواحل الخليج العربي.
تتبع جزيرة خرج للشيخ ناصر الذي يحكم ميناء ريق، ولأجل احتلال هذه الجزيرة وتحويلها إلى مقر رئيسي لعمليات الشركة الهولندية في الشرق هو المسيو "بنهاوزن" الذي أسس أول وكالة لهذه الشركة في البصرة، وأقلع بنهاوزن على رأس أسطول حربي من جاكرتا مقر قيادتهم في إندونيسيا إلى جزيرة خرج التي لم يكن يسكنها سوى مائة صياد من صيادي الأسماك من العرب الفقراء، الذين استطاعوا رغم قلة عددهم وضعف أسلحتهم البدائية التي كانوا يملكونها مقاومة الهولنديين، ومنعوهم من النزول في الجزيرة. وأمام هذه المقاومة الباسلة لعرب جزير خرج، انسحب بنهاوزن ورجاله من الجزيرة.
لم يلبث الهولنديون أن عادوا إلى جزيرة خرج مرة أخرى عام 1753م، بعدما جلبوا معهم جنوداً من الإيرانيين، وبعض العمال من الزنوج والعبيد واستطاعوا النزول إلى الجزيرة وبناء قلعة كبيرة حصينة، واستطاع بنهاوزن أن يقنع الشيخ "ناصر بن مهنا" ويغريه بإيجار سنوى كبير مقابل وجود تلك القلعة، كما حصل على إذن من الشيخ نفسه لتأسيس وكالة تجارية لشركة الهند الشرقية الهولندية في ميناء ريق.
لم يكن يهدف بنهاوزن إلى مجد في تأسيس وكالة تجارية لشركة الهند الشرقية الهولندية، وإنما كان يريد انشاء مستعمرة هولندية تجاري في جزيرة خرج، ولتحقيق هذا الهدف قام بانشاء قلعة كبيرة حصينة لحماية الجزيرة، وجلب إليها عسكرية من العبيد للتغلب على طبيعة الجزيرة الجرداء وقسوة مناخها، وهذا ما أثار قلق ممثلي شركة الهند لشرقية البريطانية في البصرة في أن تتعرض جزيرة البحرين وغيرها من جزر الخليج العربي إلى نفس المصير الذي تعرضت له جزيرة خرج، وأوردت تقارير الوكالات البريطانية في المنطقة بأن الهولنديين يعملون على طرد السكان العرب من الجزيرة وإحلال من هم أكثر ولاء لهم، وتم إغراء مسيحي البصرة على الاقامة بها ووعدوا الفقراء منهم بمساعدات مالية تمكنهم من الاستقرار، إضافة إلى الإيرانيين، كما تم جلب بعض الأسر الهولندية بغرض تحويل الجزيرة إلى مستعمرة هولندية، مما جعل البريطانيون يناصبون العداء للهولنديين الذين كان وجودهم في الجزيرة يلحق ضرراً بالغاً على مؤخراً عام 1759م بعد تدمير الوكالة البريطانية في بندر عباس من قبل السفن الحربية الفرنسية.

إنهاء الوجود البريطاني من ميناء ريق:
وقع أول تصادم بين العرب والبريطانيين في الخليج العربي في أواسط القرن الثامن عشر، وكان أول الزعماء العرب الذين اصطدموا مع الاستعمار البريطاني هو الشيخ مهنا بن ناصر، الذي قاد المعارك الناجحة ضد البريطانيين والإيرانيين والهولنديين في الخليج العربي، وكان الشيخ ناصر والد الشيخ مهنا قد وافق في عام 1754م على منح شركة الهند الشرقية البريطانية إذناً بإقامة مقر للوكالة التجارية للشركة في جزيرة ريق التي كان يحكمها بالإضافة إلى جزيرة خرج، وعينت الشركة البريطانية في نفس العام وكيلاً لها في ميناء جزيرة ريق وهو المستر فرنسيس رود، غير أن الشيخ مهنا بن ناصر وبعض القبائل العربية من قومه رفضوا ما أقدم عليه والده الشيخ ناصر بن مهنا، من منحه الموافقة على إقامة الوكالة البريطانية وأدركوا خطورة نتائجه وهو الذي كان قد كافح طويلاً في سبل تحرير هاتين الجزيرتين من البرتغاليين والإيرانيين.
ولهذا ثار الشيخ مهنا على أبيه فقتله، ووتولى الحكم مكانه في كل من جزيرتي ريق وخرج، ولكن أخاه حسين الذي سبق أن تعاون مع الهولنديين ما لبث أن نازع الشيخ مهنا على السلطة وانتزع جزيرة ريق من سلطة أخيه، وأظهر لرئيس الوكالة التجارية لشركة الهند الشرقية البريطانية فرنسيس رود بالغ الولاء والطاعة، وهذا ما جعل الشيخ مهنا يقوم باغتيال أخيه، ثم توجه هو ورجاله إلى مقر الوكالة التجارية للشركة البريطانية في ميناء ريق، فقتلوا حراسه ودمروا مقر لوكالة التجارية للشركة وحولوها إلى أنقاض، وطلب الشيخ مهنا بن ناصر من رئيس الوكالة التجارية لشركة الهند الشرقية البريطانية ورجاله الذي يعملون في الوكالة، أن يجتمعوا على ظهر السفن البريطانية في ميناء ريق بمغادرة المنطقة نهائياً وعدم العودة إلى الميناء.