الملفت للنظر في كافة الدول الاسلامية والعربية المستوردة للخراف الاسترالية في هذا العام، وجود وفود من الاستراليين مصاحبين لقطعان الخراف المجلوبة أصلا للبيع بغرض الأضاحي في عيد الأضحى السعيد أي عيد الفداء في بلاد المسلمين.
فقد شهد كل من رغب الشراء من تلك الخراف (السمان المدهنة) ذات اللحم الوفير، بأن هناك اجراءات جديدة فرضتها السلطات الاسترالية على المصدرين من مواطنيها بان لايسمحوا بالانتقاء والاختيار من بينها وان لايسمح للمشتري الخروج بها خارج المسالخ المعتمدة في البلدان المستهلكة.
بل فقط يتم الشراء عبر قسائم مرقمة وماعلى المشتري الا الانتظار حتى يسمع رقم اضحيته ويستلمها مذبوحة جاهزة. وعند سؤالهم عن الدافع وراء تلك الاجراءات أوضحوا بأنهم يرغبون التأكيد على الرأفة بالحيوان الاسترالي دون ان يتعرض لأي تعذيب اثناء نقله وترحيله، في حين لم يبدوا اي اعتراض بشأن الذبح الشرعي وهم على قناعة بأنها أصلا تم تصديرها من أجل الذبح.
والشاهد انه عندما يفتح الباب أمام قطيع الأغنام الاسترالية يكتفي الراعي الذي يرتدي الجينز بتوجيه ما في المقدمة من تلك الخراف ليخرج متزعم الخراف متبختراً تبدو عليه علامات الدعة والراحة من حسن الدلال وطيب المعاملة، في حين تتبعه بقية مكونات القطيع متراصة في تتابع وهدوء دون جرها او ضربها.
السلوك في مجمله يعني في مضمونه انه (احترام للخروف) الاسترالي، وفق اتباع نهج واضح حرصت على تطبيقه المفوضية التجارية الاسترالية لمنطقة الشرق الأوسط، والتي يؤكد المصدرون الاستراليون التزامهم بتعليماتها حتى لا يتم حرمانهم من التصدير في الاعوام المقبلة.
كل ذي عقل وقلب مؤمن بأهمية الرحمة على كل ذي كبد رطب تترسخ لديه القناعة التامة بأن في الرحمة بالحيوان أجراعظيما، وبالضرورة أن تستوقفه مثل هذه الاجراءات التي تؤكد بأن الضمير الانساني سواء كان في استراليا أو في البلدان العربية والاسلامية مازال مفعما بالرحمة والشفقة فهنيئاً لنا نحن بني البشر بذلك ...... ولكن.
أن ( لكن) هنا وفق النحويين حرف استدراك، فلنستدرك بها الراهن الانساني في كافة بقاع العالم دون تحديد لجغرافية معينة او لجنس بشري ما، فليكن محورنا الاساسي هو (الانسان) الذي انبرى الاسترالي منه خلال الاسابيع الماضية ليأخذ دوراً رياديا في العطف ويحنو ويرأف على الخراف بل يتبعها برأفته اينما حلت، فله التحية بكل صدق والاحترام أيضاً.
وباستدراك (لكن) ايضا وطالما المسرح مازالت ارضيته الرأفة الانسانية فحري بنا نحن بني آدم كافة في مختلف بقاع الأرض ان نستدرك ما ارتكبناه في بني جلدتنا البشر، حيث قتلنا بعضنا بدم بارد بمجرد تمسك ذلك البعض بأرض تربى فيها أجداده او لمجرد انه دافع عن مقدساته كما هو الحال في الاراضي العربية المحتلة التي يذوق فيها الفلسطيني ويلات التعامل اللاانساني في كل صباح .
حري بنا ان نستدرك بـ"لكن"، فنعظم ما تم اصطحابه من رأفة وعطف مع الخراف الاسترالية بمختلف المسالخ بالدول العربية والاسلامية، لنعمل في الوقت نفسه على تصحيح وضع الراهن العربي المعاش، فنطوي ساحات القتال في سوريا عبر تجفيف مصادر التسليح سواء كان لمعارضة معتدلة او غير معتدلة، فكلهم في الحرب سواء طالما سيكون نتاج التسليح سقوط الانسان مضرجا في دمائه ولم يجد حتى بما حظيت به قطعان الخراف الاسترالية من ذبح رحيم.
كما علينا أيضا أن نستدرك حتى نتمكن نحن بني الانسان صانعي السلاح ومسوقيه بأن نعي بأن ذلك السلاح أكثر فتكاً ببني البشر من الحبل البلاستيكي القوي الذي قد نتحسس مما يسببه من أذى عطفاً على الحيوانات الأليفة التي تدعو كافة الأديان السماوية للرحمة بها.

طارق أشقر
كاتب صحفي سوداني