[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
في خضم التحولات الخطيرة والكارثية في المنطقة جراء زلزال "الحريق العربي" الذي تسبب في تشكل موجات مد إرهابي "سونامي"، وتحول دول عربية إلى دول فاشلة نتيجة هذه الموجات، وارتفاع أرقام الأزمات بما فيها أزمة اللاجئين وتفاقم المآسي والكوارث الإنسانية والمعيشية وتزايد أعداد الجوعى والمرضى والمحرومين من حق التعليم والصحة والسكن، في خضم كل ذلك، تطالعنا منظمة الأمم المتحدة بوثيقة "أهداف التنمية المستدامة" التي تبناها قادة العالم في اللقاء الذي جمعهم بمقر الأمم المتحدة الجمعة الماضية في الخامس والعشرين من الشهر الجاري، وتتضمن هذه الخطة التي وصفت بـ"الطموحة" والتي تتكلف مليارات الدولارات سنويًّا، وتم تحديد عام 2030 لتحقيق أهدافها، سبع عشرة نقطة، بما في ذلك القضاء على الفقر المدقع والحصول على التعليم والصحة، وتعزيز دور المرأة ومكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري، وكذلك إصلاح مرافق المياه والمجاري، وتوفير مصادر الطاقة الآمنة والحديثة، والمساعدة على النمو الاقتصادي المستدام، وتوفير فرص العمل اللائق، وبناء البنى التحتية المتينة، وتخفيض مستوى عدم المساواة داخل الدول وبين الدول، وضمان المساواة بين الجنسين، وتوفير أمن البلدات السكنية، ووضع نماذج فعالة للإنتاج والاستهلاك، واتخاذ خطوات عاجلة لمواجهة تغير المناخ، وحماية موارد البحر واستخدامها بكفاءة، وإصلاح المنظومات البيئية البرية، والمساعدة على قيام مجتمعات سلمية ومنفتحة، وتعزيز وسائل تحقيق التنمية المستدامة.
إن هذه "الأهداف التنموية المستدامة" تثير علامات استفهام أشبه بأحجية وألغاز تدور في فلك الفضاء العالمي الرحب وتحتاج جهدًا إلى فكها والإجابة عنها، وهي: أين ستنفذ خطة التنمية المستدامة هذه من العالم؟ وهل المقصود بها دول العالم الغربي وفي مقدمتها الدول الاستعمارية الامبريالية أم المقصود بها أيضًا دول المنطقة؟ وإذا كان من بينها دول المنطقة، فأي دول تحديدًا؟ هل تلك التي ضربها "سونامي" الإرهاب وألا يعني هذا تناقضًا بين الدور الإيجابي بتحقيق أهداف التنمية المستدامة وبين الدور السلبي بتأييد الإرهاب والتدخل العسكري وغيره والتدمير وتهجير السكان ومفاقمة أوضاعهم المعيشية؟ أم الدول التي دعمت ومولت الإرهاب؟ وما الدول التي ستتكفل بتقديم الدعم اللازم لتحقيق الأهداف التنموية؟ هل هي الدول الملتزمة بتمويل ودعم الخطط الاستراتيجية والتحالفات العسكرية والسياسية الغربية في المنطقة التي أنتجتها مؤامرة "الحريق العربي"؟
أيًّا كانت الإجابة عن تلك الأسئلة وغيرها، فإن العالم يعيش أزمة أخلاقية ويمر بحالة من العري وفساد القيم والمبادئ، والتناقض والنفاق المستشري، لعبت ولا تزال الأمم المتحدة دورًا كبيرًا فيه من خلال مجلس أمنها أو من خلال مجلس حقوق الإنسان التابع لها أو منظماتها الأخرى التي تدار من قبل قوى استعمارية غربية بنت استراتيجياتها السياسية والعسكرية على استعباد الشعوب ونهب ثرواتها، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول، وما تحول العراق وليبيا وغيرهما إلى دول فاشلة ومهددة بالتقسيم إلا نتيجة لتلك السياسات والاستراتيجيات، فكيف يستقيم تبني الأمم المتحدة "خريطة طريق للتنمية المستدامة" لخمسة عشر عامًا، مع تدمير هذه الدول وبناها التحتية ومظاهر التنمية المستدامة فيها، وتدمير شعوبها إما إبادةً أو تهجيرًا وتشريدًا؟ في حين لا تزال تخرم الأمم المتحدة بمنظماتها ومجلسيها الآذان وتصمها باتهامات ومغالطات موجهة ضد حكومات هذه الدول التي تتعرض للتدمير، بأنها المتسبب في ذلك، متجاهلة تمامًا الدور الرئيسي والسبب الحقيقي وراء ذلك وهو القوى المختطفة للمنظمة الدولية، ودورها في إنتاج الإرهاب وعصاباته، وإيكال عملية الدعم والتمويل لقوى عربية وإقليمية، بالإضافة إلى قرارات التدخل العسكري كقرار مجلس الأمن الدولي بشأن ليبيا.
التقرير الختامي حول تحقيق وثيقة "أهداف تنمية الألفية" التي أقرتها الأمم المتحدة عام 2000 لمدة خمسة عشر عامًا، أشار إلى أن عدد سكان الأرض الذين يعيشون بمستوى دخل لا يتجاوز 1.25 دولار يوميًّا انخفض من 1,9 مليار في عام 1990 إلى 836 مليونًا في عام 2015 الحالي، وأشار إلى إنقاذ أكثر من 6 ملايين شخص من المصابين بالملاريا. كما سمح تحقيق الخطة العالمية بتخفيض مستوى الوفيات الناجمة عن مرض السل بمقدار 45% وتوفير التعليم لـ43 مليون طفل. وفي تقرير منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) عن "حالة انعدام الأمن الغذائي في العالم-2015" كشف أن 12 مليون يمني من أصل 24 مليونًا يعانون من نقص الأغذية، وأن الصراعات الدائرة على أرض اليمن فاقمت من أزمة الأغذية وتهدد الرقم بالصعود، وأن ثمانية ملايين عراقي من إجمالي عدد سكان العراق البالغ 32.5 مليون نسمة يعانون من الجوع في 2015، بسبب الظروف الأمنية التي يعيشها العراق. وقد ارتفع عدد جوعى العراق إلى أكثر من خمسة أضعاف منذ 1992 حين كان عددهم مليونًا ونصف المليون عراقي. أما في سوريا فقد خلفت المؤامرة عليها 13.6 مليون جائع يتوزعون بين 10 ملايين جائع داخل سوريا، وحوالي 3.5 مليون جائع سوري في دول اللجوء، والعدد مرشح للزيادة الملحوظة. هذا عدا ليبيا وتونس ومصر والسودان وغيرها..
ما لا تريد الأمم المتحدة الاعتراف به هو أن تلك الملايين من الجوعى والمشردين والمحرومين من حقوق الصحة والتعليم والغذاء والدواء هي نتيجة السياسات والاستراتيجيات للقوى الاستعمارية الغربية المتحكمة بالمنظمة الدولية، فهل كانت تلك الملايين ضمن إحصائيات الجوع والفقر والمرض قبل تفجير مؤامرة "الحريق العربي" والتدخل الغربي الاستعماري المباشر وغير المباشر في إنتاج وإدارة الإرهاب في المنطقة؟ أوليست تلك الملايين مرشحة للارتفاع تبعًا لتلك السياسات والاستراتيجيات؟ وكم جيلًا سينضم إلى قوائم الجوع والمرض والفقر والجهل جراء تدمير التنمية البنى التحتية وتهجير الشعوب العربية من أوطانها وافتعال أزمات اللاجئين؟ إذًا، ما علاقة حكومات تلك الدول العربية المستهدفة بالأوضاع الإنسانية؟
لا أحد ضد التنمية المستدامة على الإطلاق، وإنما هي القاعدة التي تقوم عليها الحياة الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية والأمنية والسياسية، ولكن ما يجب الاعتراف به أن أي تنمية حقيقية قوية ومستدامة وشاملة في أي دولة عربية هي مستهدفة ومتربص بها من قبل المستعمر الصهيو ـ غربي، فالحصار الغربي على العراق ثم الغزو الأنجلو ـ أميركي له كان هدفه تدمير التنمية العراقية التي أزعجت الصهيو ـ غربي، وتدمير الإنسان العراقي وتجريف العراق من عقوله وعلمائه، وكذلك الحال في سوريا وليبيا، فالمراد أن تتعفن المنطقة بالجوع والفقر والمرض والجهل؛ ولذلك في التقدير، لن تتمكن الأمم المتحدة من تحقيق ما تسعى إلى تحقيقه من "أهداف التنمية المستدامة"، لكونها منظمة محتلة ومختطفة من قبل قوى استعمارية، ولكون هذه الخطة جاءت بعد خراب مالطا.