الإعلان عن قيام تنسيق أمني بين روسيا وسوريا والعراق وإيران من خلال إنشاء مركز معلوماتي في بغداد يضم ممثلي هيئات أركان جيوش الدول الأربع من أجل تنظيم الجهود المشتركة لمحاربة تنظيم "داعش" الإرهابي، وتوزيع هذه المعلومات على الجهات ذات الشأن وتسليمها إلى هيئات أركان القوات المسلحة للدول المشاركة في المركز، هو إعلان يمثل خطوة متقدمة ـ وإن تأخرت كثيرًا ـ إلا أنها جاءت في سياقها الصحيح والحثيث، خاصة بعد الانكشافات الخطيرة التي ظهرت مؤخرًا للأدوار التي لعبتها الاستراتيجية الأميركية وتحالفها الستيني حول محاربة "داعش"، وما أدت إليه هذه الاستراتيجية والتحالف الستيني ـ ولا تزال ـ من نتائج كارثية تهدد دول المنطقة، وتحولها إلى أحجار "دومينو".
إن هذا المركز المعلوماتي سيوحد الجهود للدول الأربع، ما يعطي جهودها الفاعلية المطلوبة في كبح حالة الاندفاع غير المحسوب من الطرف المقابل، والتي راكمت الشكوك بالنظر إلى توسع انتشار الإرهاب في لوحة الشطرنج للمنطقة، وتواصل عمليات التمويل والتسليح للإرهاب القاعدي المتمثل تحديدًا في ما يسمى "داعش والنصرة". كما أن من شأن هذا المركز أن يعرِّي بصورة أكثر الدور الهلامي والدعائي للتحالف الستيني في محاربة "داعش"، من ناحية، وأن يضاعف مساحة الحرج ويدفع التحالف الستيني إلى حفظ ماء وجهه بتنفيذ عمليات عسكرية حقيقية ومؤثرة ضد "داعش"، والتوقف عن مده بالسلاح والمال وبيع النفط المسروق لصالحه؛ لأن الدور الروسي والسوري والعراقي والإيراني هو في طبيعته يجمع بين العمليات العسكرية الجوية والبرية، ما يعطي مفاعيله على الأرض في دحر الإرهاب وتحرير الأراضي السورية والعراقية الملوثة بالإرهاب القاعدي، على عكس ما يروجه التحالف الستيني ويبثه من أرقام لعمليات عديدة أعطت على الدوام نتائج عكسية.
الدخول الروسي الحازم على خط المواجهة مع الإرهاب وداعميه، لا شك أنه سيضع حدًّا للعبث الأميركي في المنطقة، وسيسند جهود كل من العراق وسوريا في حربهما على الإرهاب التكفيري، وسيوفر لهما جهدًا إضافيًّا في سبيل سعيهما إلى دفع مخاطر التقسيم وتكسير مناجله ورماحه التي سلمها الصهيو ـ أميركي ومن في عباءتهما للعصابات الإرهابية وبعض العملاء والخونة والمندسين للقيام بهذه المهمة.
من الواضح أن روسيا الاتحادية لم تكن مختارة إلى التحرك بهذا الحجم اللافت وخصوصًا في شقه العسكري، وإنما أجبرت عليه بعد خيبات الأمل التي جنتها من وراء دعوتها المتكررة إلى توحيد الجهود الدولية في مكافحة الإرهاب، خاصة تنظيم "داعش" الإرهابي، وإبداء الجدية حيال ذلك، وإثبات دعاة محاربة الإرهاب تاليًا مصداقيتهم، من خلال تشكيل تحالف إقليمي دولي للقضاء على الإرهاب تشارك فيه القوى الفاعلة والحقيقية التي تحارب الإرهاب وهي الجيش العربي السوري ودول عربية وإقليمية. إلا أن كل الدعوات الروسية بدت كلها كحرث في الماء، وكمن لا يسمع سوى صداه. ومع أن الخطوة الروسية بالتحرك نحو دعم حليفاتها جاءت بموجب القانون الدولي وبطلب شرعي من حكوماتها، فإن الحرد الصهيو ـ أميركي، وبعض العربي، أسقط كل الأقنعة وعرَّى وجوه الدعاية على حقيقتها.
إن التحرك الروسي نحو تنسيق الجهود بين كل من بغداد ودمشق وموسكو وطهران، إذا كان مسؤولية أخلاقية لتجنيب شعبي العراق وسوريا من خطر القتل والتهجير وتجنيب الدولتين من مخاطر التمزق والتقسيم، فإن الدول الداعمة للإرهاب، مطالبة هي الأخرى بموقف إنساني ومسؤولية أخلاقية، وأن تدرك بأن العراقيين والسوريين وحدهم أصحاب القرار في تقرير مصير بلديهما، خاصة وأن الأهداف الحقيقية من وراء تدخل هذه الدول ونفاقها بأنها تدعم الشعبين العراقي والسوري قد فضحت وانكشفت منذ أمد.