ثار جدل واسع بين شرائح عريضة من المجتمع إثر تحديد أجازة عيد الاضحى المبارك. فهناك من يدعو إلى تقليل أيام الاجازات، وهناك من يرفع شعار:"لا للأجازات"، وثمة من يرغب في زيادة أيام الأجازات وهناك من يرغب في ان يكون العام كله اجازات. وهناك من يرغب في الاعتدال في ايام الاجازات بدون افراط او تقتير. ومع احتدام هذا الجدل، يجب دراسة مسألة الاجازات دراسة متعمقة والنظر اليها من كل الجوانب.
فمن يريد إلغاء الاجازات ينظر في ذلك الى مجتمعات يقدر ابنائها العمل بشكل كبير جداً مثل المجتمع الياباني الذي قامت فيه مظاهرات قبل سنوات اعتراضاً على عزم الحكومة زيادة الاجازة الاسبوعية يوماً. هذا في حين نرى مشاهد مغايرة لذلك في بلدان متقدمة وهي بلدان تقدر وتحترم العمل بشكل كبير، فقد أعلن عمدة ولاية نيويورك بالولايات المتحدة منح الطلاب المسلمين يوم اجازة بمناسبة عيد الاضحى المبارك بما يعني تعطيل الدراسة في الولاية في ذلك اليوم. كما تمنح المجتمعات الغربية اجازة طويلة بمناسبة ما يعرف باعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية الجديدة، دون ان يثور البعض وينادي بخفضها أو الغائها.
لقد بات الأمر يتطلب اجراء دراسة تقف على أسباب عشق شعوب مثل اليابان للعمل بهذا الحد الذي يدفعهم للتظاهر ضد منحهم يوم اجازة إضافي. فما هو الدافع لدى هؤلاء وكيف وصل الامر الى ان اصبح ثقافة عامة لدى الشعب بهذا الحد؟!، فلابد من ان هناك اسباب وراء ذلك تحتاج الدراسة والتحليل والتقييم. وبالطبع فان جزءاً من ذلك هو آلية العمل نفسها فكلما عمل الموظف هناك كلما زاد اجره، اي ان هناك العمل يحسب بالساعات ويتم الجزاء على ذلك، فكلما عمل الموظف وزاد في عمله كلما حصل أجراً اكبر، وبالتالي تطلع الى تقليل الاجازات الى الحد الادنى. كما توجد مثل هذه الآلية ـ العمل بالساعات وبالانتاج ـ في كثير من الشركات ياتي في مقدمتها الشركات العاملة في مجال النفط. بخلاف الحال في كثير من قطاعات العمل في مجتمعاتنا العربية، التي لا يوجد في اغلب قطاعاتها عنصر التحفيز. بمعنى ان الموظف سوف يحصل راتبه آخر الشهر، عمل أم لم يعمل. ناهيك عن ان الاهتمام والتركيز ربما ينصب في اغلب الاحوال على الكم أي على عدد ساعات دوام الموظف دون النظر الى الانجاز الحقيقي الذي حققه خلال تلك الساعات. وربما يستوي في كثير من الاحوال المجتهد مع المتكاسل في العمل. وهو أمر يتطلب بحث الية العمل في بلادنا لمعالجة سلبياتها.
فضلاً عن ذلك، فان الاجازات في المناسبات كعيدي الفطر والاضحى مثلاً ليست كلها شر أو ضرر، كما يتخيل البعض. ومرد ذلك انها تكون سبباً للانفاق وانعاش حركة البيع والشراء ومن ثم التأثير الايجابي على عجلة الاقتصاد. فهناك موظفون وأسر تدخر من اجل الاستمتاع بأيام الاجازة وتعمل على التنقل بين المحافظات وشراء مستلزمات لهذه الاجازة والاستمتاع بالموروث الثقافي كالشواء وغير ذلك. الامر الذي ينعش حركة البيع ويؤثر ايجابياً على الحركة الاقتصادية للبلد. ثم ان السؤال المهم هو حجم ونوعية انتاج البلد ومدى تأثره بعدد أيام الاجازات أي عدد المصانع والمنتجات التي تتضر نتيجة هذه الاجازات. وهو الامر الذي يحتاج الى دراسة عميقة متأنية وليست اجتهادات وآراء هنا وهناك في اطار من التصارع والتجاذب النظري الذي لا يقوم على واقع ولا يستند الى دليل علمي ناتج عن عمليات احصائية ودراسات اقتصادية حقيقية.
فحال تم اجراء مثل هذه العمليات الاحصائية والدراسات الاقتصادية وتوصل المعنيون الى وجود تأثير سلبي واضح على العملية الانتاجية في البلد، يكون هناك متطلبات تؤخذ بعين الاعتبار في التعاطي مع ايام الاجازات وتحديد عددها من بينها:
تهيئة المجتمع لذلك بالاعلان المبكر عن موعد وعدد ايام الاجازات، اي قبل المناسبة بفترة كافية، وعدم مباغتة الموظفين. وذلك لان هناك كثيراً من الناس الذين يدخرون لشهور ويرتبون احوالهم على استغلال ايام الاجازة، وقد توقعوا، بحكم التواتر، بأنها ستكون نحو اسبوع مثلا، فيقومون بالحجز في منتجعات واماكن ترفيه لهم ولعوائلهم وعمل كثير من الترتيبات لذلك. وبعد ان يكون رب العائلة قد تهيأ هو واسرته لذلك، يتفاجأ الجميع بأنه لا توجد ايام اجازة لذلك. فلابد إذاً من وضع البعد الانساني، الذي هو اساس لاي قرار، في عين الاعتبار. وهذا الأمر ـ التحديد المبكر للأجازات ـ معمول به في بلدان مثل ماليزيا.
التدرج في عملية تقليل ايام الاجازة، فاذا اثبتت الدراسات والتحليلات ان الانتاج والنشاط الاقتصادي ومن ثم مصلحة البلد تقتضي تقليل او حتى الغاء الاجازات، يكون ذلك بالتدرج في تقليل تلك الايام، وليس بهذا التقليص الكبير الذي كان اشبه بالصعق الكهربائي لدى شريحة كبيرة من المواطنين.
توطين الأيدي العاملة: مع أن عددا من الجهات الحكومية قد شرعت في فتح مكاتب لها في العديد من محافظات السلطنة، إلا أنه لا يزال هناك اعداد كبيرة من الموظفين الذين هم من محافظات بعيدة ويقيمون بمفردهم في محافظة مسقط حيث توجد اماكن عملهم، بينما يكون اهلهم من الزوجة والابناء والابوين وبقية الاهل والاصدقاء في المناطق والقرى البعيدة عن مسقط، وبالتالي تكون عواطفهم جياشة ومرتبطة بأسرهم واهلهم، وتكون اوقات عملهم في المدينة اشبه بالغربة بالنسبة لهم، وهم يتحينون الاجازات للهروع بالسفر الى الاهل والاستمتاع باوقاتهم معهم الامر الذي يتطلب معه العمل على توطين الوظائف لتقليل مثل هذه المشاعر، التي ربما تجعل عقل الموظف مشغول في الغالب باسرته واحوالها والعودة اليها بشكل أكبر من اهتمامه بمهام عمله. فيجب مراعاة ووضع هذه العوامل وغيرها في الاعتبار عند الاعلان عن موعد وعدد أيام الاجازات.
وكل عام والجميع بخير.

السيد عبد العليم
[email protected]