فيما يقترب تاريخ الخامس والعشرين من أكتوبر المقبل موعد انتخابات الجولة الثامنة لمجلس الشورى، تتسع دائرة الترقب بين المواطنين العمانيين قبل غيرهم، كونها ممارسة عملية لمشاركة شعبية فاعلة ترسخت جذورها ضمن فعل اجتماعي قديم ومتأصل، في حين يأخذ الترقب بعداً خارجيا يعكسه اهتمام المراقبين (بعمانية) التجربة الديمقراطية والشوروية بالسلطنة.
يأتي الترقب الداخلي ممزوجا بحالة من التطلع لتكرار فعل اعتاده العمانيون منذ القدم ولكن بصياغات تراثية مختلفة تمثل في (السبلة) العمانية التي كان العمانيون يناقشون فيها قضاياهم مستمدين الحلول من أهل العقد والرأي من الشيوخ والعلماء، في حين تأطر ذلك الفعل أو الممارسة بمفهوم حداثي مواكب تمثل في مجلس الشورى الذي انتقلت اليه تلك القضايا مع اتساع مجالاتها اجتماعية وثقافية واقتصادية وغيرها . بهذا التواصل بين ثقافة (السبلة ) و( البرزة) العمانية من جهة، والممارسة الديمقراطية الشوروية من جهة أخرى تكتمل حلقة التلاقح بين الأصالة والمعاصرة، حيث تمكنت عمان من تأسيس نمط خاص بها من الديمقراطية غير منفرط عن خصوصية المجتمع العماني وتاريخه وغير منفصل من اصول الممارسة التي عرفتها الديمقراطية بمختلف آلياتها ومصطلحاتها على شاكلة الانتخاب الحر المباشر ، والأغلبية الميكانيكية ، والرؤى الانتخابية ، والترشح والترشيح ، والتصويت ، والاعتراض والتحفظ ونقطة النظام والمباركة بالموافقة.، وغيرها.
وباعتبار مجلس الشورى العماني بمفهومه العصري ساحة لسجال الرأي بالرأي بين مكوناته من الأعضاء المنتخبين، يترقب المراقبون داخليا وخارجيا لانتخابات الجولة الثامنة، كونها سترفد المجلس باعضاء الحد الأدنى لمؤهلاتهم دبلوم الشهادة العامة(الثانوية العامة) في حين تبين كشوفات المرشحين ارتفاع نسبة حملة شهادات البكالوريوس والدرجات الجامعية الأخرى وفوق الجامعية بشكل ملحوظ، الأمر الذي يرى المراقبون بأنه سيزيد ساحة المجلس اثراء على ثرائها الذي عهدته منذ انشاء المجلس.
ويأتي العرس الانتخابي في هدوء اعتاد عليه العمانيون لاستناد الرؤى الانتخابية للمرشحين على قضايا متفق على اهميتها سواء كانت اقتصادية او اجتماعية أو غيرها دون اي صخب اعلامي أو مزايدة او تبخيس لرؤى الآخرين في نفس الدائرة. ويرجع المراقبون هذا الهدوء السياسي في الممارسة الانتخابية الى ما تحقق من طفرة تنموية في القطاع الخدمي الذي عادة مايعتبر المعترك الانتخابي الأساسي الذي يتنافس حوله المرشحون في الدول النامية.
وفيما يرى المراقبون ان ماتحقق من طفرة تنموية ليس معناه انعدام أو تلاشي القضايا الملحة للنقاش، وذلك باعتبار ان كل تطور في تقديم خدمة معينة بالضرورة سيصحبه تطور ملازم لمشكلات جديدة تتوافق وتواكب لمايستجد من تحديات قد يحتاج التعاطي معها لآفاق جديدة اكثر اتساعا، ومن هنا تأتي أهمية المرحلة المقبلة لمجلس الشورى مما يزيد من مسؤوليات الاعضاء الجدد للمجلس في وقت تتزايد فيه التحديات الاقتصادية والاجتماعية حسب مقتضيات التطور الاقتصادي والاجتماعي.
وبهذا النمط الراقي في الممارسة الانتخابية المنضبطة يأتي الخامس والعشرين من اكتوبر مكللاً لجهود متواصلة لأكثر من أربعة قرون في بناء الانسان العماني وفق نهج واضح لم يفصل بين التنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية ، بل أخذ بها بشكل متكامل ، ودون قفز على المراحل ، بل بتدرج مدروس تبينت نتائجه فيما هي عليه عمان اليوم وفي ماهو عليه المواطن العماني من وعي واقتدار .

طارق اشقر
كاتب صحفي سوداني