[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedabdel.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد عبد الصادق[/author]
”.. ألمانيا التي كانت ترفض في الماضي استقبال الأجانب, احتلت مؤخراً مركز الصدارة على مستوى أوروبا في استقبال وإدماج المهاجرين, كما أنها صاحبة موقف متفرد من خطر "الإسلاموفوبيا" الذي يجتاح أوروبا, وتعتبره لا يقل خطورة عن التطرف الإسلامي, وترى أن الإسلام جزء من ألمانيا وأوروبا, وأكدت ميركل مراراً إن الإسلام والمسلمين جزء من ماضينا ومستقبلنا...”
ـــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت مجلة "ديرشبيجل" الألمانية على غلافها صورة للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على هيئة قديسة قريبة الشبه بالأم تريزا وكتبت تحتها "ماما ميركل" وتحولت ميركل ـ التي كانت تشتهر فيما مضى بتبلد المشاعر وتجمد الأحاسيس؛ نتيجة نشأتها في بلد لا يؤمن إلاً بالقيم المادية ويقدس قيمة الوقت ويدمن العمل, وتنتشر فيه العنصرية وكره الأجانب ـ لتتحول مؤخراً لبطلة وقديسة في عيون ساكني المخيمات والمتطلعين للفرار من مناطق الحرب والنزاع ؛ بسبب مواقفها الجريئة الداعمة للمهاجرين وسماحها للعالقين منهم في المجر وكرواتيا وصربيا بالدخول إلى بلادها، والسماح لهم بالتقدم بحق اللجوء عند وصولهم الأراضي الألمانية؛ ضاربة بعرض الحائط قوانين الاتحاد الأوروبي التي تشترط تقديم الطلب في أول بلد أوروبي تطأه قدم المهاجر أو اللاجئ.
هذه المواقف الإنسانية دفعت اللاجئين والمهاجرين لكيل المديح للمستشارة الألمانية، وأطلق الكثير منهم اسم "ميركل" على مولوداتهم وحظي اللاجئون السوريون على وجه الخصوص بتعاطف ميركل والحكومة الألمانية, منذ بدأت أزمتهم في 2011م ؛ وكانت ألمانيا الدولة الأوروبية الوحيدة التي منحت السوريين حق لجوء مميزاً و مريحاً. واستقبلت حتى الآن ما يقارب الـ 300ألف لاجئ سوري, ووفرت ملجأ وراتباً شهرياً لأي لاجئ يأتي من سوريا هرباً من الحرب, مؤكدة أن أن ألمانيا تكافح من أجل الحفاظ على رباطة الجأش ودرء الخوف والذعر عن اللاجئين السوريين.
وبسبب موقفها الإنساني من المهاجرين واللاجئين, تعرضت ميركل لانتقادات عنيفة من اليمين واليسار داخل وخارج ألمانيا؛ واتهمها المتظاهرون من اليمين المتطرف بخيانة الشعب, وتحفظ على قرارها الداعم للمهاجرين غالبية قادة دول الاتحاد الأوروبي بحجة أنها لم تستشرهم في اتخاذه , وكثير منهم ينظرون إلى اللاجئين السوريين بوصفهم متطرفين يمثلون خطراً على أمن أوروبا وهويتها وربما هذا يفسر ترحيب بعض الدول الأوروبية باللاجئين السوريين بشرط أن يكونوا مسيحيين , متجاهلين كافة المواثيق والأعراف الدولية التي تحظر التمييز بين اللاجئين على أساس اللون أو الدين أو العرق.
وأظهر آخر استطلاع للرأي في ألمانيا تراجع شعبية ميركل بسبب رفض أغلبية الشعب الألماني لسياستها المتعلقة باللاجئين , وتتعرض ميركل و حزبها المحافظ لضغوط شعبية عاتية , تهدد فرص نجاحها في الانتخابات النيابية المقبلة في 2017م , رغم النجاح الذي حققته ميركل في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي جعلت من ألمانيا دولة عظمى, لها مكانتها على الصعيد الأوروبي والعالمي , ويكفي للتدليل على ذلك مشاركتها الفاعلة في اجتماعات (5+1) بخصوص الملف النووي الإيراني, وقيادتها أوروبا بفضل متانة وقوة الاقتصاد, الذي جعل ألمانيا قادرة على تعويض العجز الحادث في معظم الاقتصاديات الأوروبية.
هل تتراجع ميركل أمام هذه الضغوط والمعارضة الشرسة لسياساتها المتعلقة باللاجئين, أم ستتمسك بأسلوبها السياسي الهادئ, في التعامل مع الأزمة بحكمة وتوازن ؛ بحيث تكتفي باستيعاب العدد الضخم من اللاجئين السوريين الذي وصل بالفعل إلى الأراضي الألمانية, وفي الوقت نفسه تشارك في الجهود الدولية التي تبحث عن حل سياسي للأزمة السورية ؛ من خلال الدعوة الأخيرة التي أطلقتها ميركل لإشراك الرئيس السوري بشار الأسد في أية مفاوضات تهدف لإنهاء الأزمة السورية , كما أن هذا يفسر قرار السلطات الألمانية المفاجئ بإعادة فرض الرقابة على حدودها الخارجية, مما اعتبره اللاجئون السوريون انتكاسة وتبديداً لأحلامهم في الذهاب إلى ألمانيا, واعتبروا أن"ماما ميركل" لم تعد تستأهل هذا اللقب.
ورغم ذلك، مازال آلاف السوريين من أصحاب المهن والحرفيين المهرة داخل سوريا أو الذين يعيشون في مخيمات اللاجئين في الأردن ولبنان وتركيا, ما زال يحدوهم أمل كبير في أن ألمانيا يمكن أن تفتح أفقا جديدا واعداً بالنسبة لهم ولأبنائهم , ومما يدعوهم للتفاؤل أن الاقتصاد الألماني بحاجة إلى مهاراتهم وأن هناك قناعة لدى أرباب العمل الألمان وشرائح كثيرة في المجتمع الألماني بأن ألمانيا ستكون في المستقبل وطناً لأبناء المهاجرين و أن أطفال اللاجئين السوريين الذين وصلوا مؤخرا أو الذين سيصلون إليها عما قريب قادرون على ضخ دماء جديدة في هذا البلد الذي تراجعت فيه نسبة المواليد.
فألمانيا التي تحتضن 11مليون مهاجر, مازالت في حاجة للمزيد من المهاجرين لتعويض تراجع عدد السكان من الشباب وزيادة كبار السن , والتي تعتمد بدرجة كبيرة على العمال الأجانب الذين وفدوا إلى ألمانيا خلال العقود الماضية , لدفع عجلة الاقتصاد المتنامي, والذي يعد الأكبر في أوروبا , والثالث على مستوى العالم بعد أميركا والصين, ورغم المعارضة الشديدة لوجود الأجانب من قبل الألمان الأصليين, وأيضاً من جانب المهاجرين القدامى والمجنسين ـ الذين يخشون على وظائفهم وعلى مستوى الخدمات والامتيازات الاجتماعية ومستوى الرفاهية الذي يحصلون عليه ـ مازال الاقتصاد الألماني في حاجة لدماء جديدة ؛ خصوصاً من العمال المهرة, والأطباء والمهندسين , والذين يوجد منهم الآلاف بين طالبي اللجوء السوريين.
وألمانيا التي كانت ترفض في الماضي استقبال الأجانب, احتلت مؤخراً مركز الصدارة على مستوى أوروبا في استقبال و إدماج المهاجرين , كما أنها صاحبة موقف متفرد من خطر "الإسلاموفوبيا" الذي يجتاح أوروبا, وتعتبره لا يقل خطورة عن التطرف الإسلامي, وترى أن الإسلام جزء من ألمانيا وأوروبا, وأكدت ميركل مراراً إن الإسلام والمسلمين جزء من ماضينا ومستقبلنا وهم موضع ترحيب في ألمانيا , وأشادت في أكثر من مناسبة بدور المهاجرين المسلمين الأوائل خصوصاً الأتراك في نهضة ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية , حيث ساهموا في خمسينيات وستينيات القرن الماضي في إعادة المارد الألماني لمكانته الاقتصادية والسياسية , بعد الخلل الديمجرافي الذي أحدثته الحرب, وفقدان ألمانيا أكثر من خمسة ملايين جندي في ميادين القتال.