تبرز صناعة السياحة اليوم واحدًا من البدائل التي يجب أن يصار إليها نحو تنويع مصادر الدخل، لما أثبتته من مكانة وضمانة من خلال مردودها الاقتصادي، وتحولها إلى مصدر دخل قابل للنمو والتطور والازدهار والتوسع، لا سيما إذا كانت هناك مقومات سياحية متعددة ومختلفة، وكانت ثمة أفكار قادرة على بلورة هذه المقومات وتحويلها إلى منتجات سياحية ومناطق جذب سياحي. كما أن سياسة التنويع ينبغي أن تتعدى السياحة إلى مجالات اقتصادية لا تقل عنها حيوية في تنويع مصادر الدخل الوطني، فالمناطق الصناعية والاقتصادية، والموانئ والصناعات التحويلية، والزراعة والثروة الحيوانية والسمكية والتمور وغيرها من المجالات والنشاطات يمكن أن تعطي مردودها الكبير بما يحقق الأهداف المتوخاة من البقاء على مصدر دخل واحد، ونعني به النفط.
فالتراجع اللافت لأسعار النفط ومدى تأثيره على الاقتصادات العالمية وميزانيات الدول وخاصة تلك التي يأتي النفط في طليعة مصادر دخلها أو مصدر دخلها الأوحد، كشف عن وجود فجوة بين الاستهلاك الكبير باستخدام عائدات النفط، وبين عدم الانتباه والمسارعة إلى توظيف هذه العائدات في بلورة مشاريع تدر مصادر دخل رديفة، تقلل من الاعتمادية على النفط في الدخل، ما يعبر عن قصور في الأفكار أو في القائمين على تنفيذها أو في آليات التنفيذ.
ولأن بلادنا والدول العربية والعديد من الدول الأجنبية لديها تطلعات متشابهة لمعالجة الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة والعالم وبخاصة على الجانب الاقتصادي على خلفية تدهور أسعار النفط، ودخول الموازنات في مرحلة تسجيل العجز، يطرح الشأن السياحي ذاته كقطاع واعد يمكن أن يمثل تحولًا كبيرًا في إنجاح سياسة تنويع مصادر الدخل، بالنظر إلى ما تزخر به بلادنا من مقومات طبيعية ومخزون تراثي وتاريخي يلعب المزج بينهما دورًا كبيرًا في ازدهار صناعة السياحة في السلطنة؛ لذلك فإن الأفكار مع حزمة من السياسات والقوانين المشجعة على الاستثمار المحلي والأجنبي في قطاع السياحة تتطلب تحركًا سريعًا. والوصول إلى هذا المبتغى يتطلب عملًا متكاملًا بين جميع المؤسسات الحكومية، وتكاملًا بين القطاعين العام والخاص في رسم خريطة السياحة الداخلية لبلادنا وجعلها تنافسية. فهذا القطاع يظل دائمًا بحاجة إلى مساندة وحفز للإمكانات المتاحة له، لتثبيت دعائمه وتحويل السياحة إلى ثقافة عامة لدى كافة المواطنين العمانيين كي يقبلوا على هذا المجال وأنشطته برؤية متفتحة على حيويته وعلى وسائل الجذب السياحي وشغل المواقع المتصلة به، سواء فيما يتعلق بالإرشاد السياحي ووسائله أو ممارسة مهن كالضيافة أو النقل والمواصلات أو الترويج أو إقامة المنشآت المختلفة في مناطق الجذب السياحي بمختلف الولايات والمواقع التي تتمتع بإمكانات جذب خاصة.
على الجانب الآخر، تلعب المناطق الصناعية والاقتصادية والمؤتمرات الاقتصادية وملتقيات وفرص الاستثمار داخليًّا وخارجيًّا دورًا لا يقل عن دور قطاع السياحة على قاعدة مبدأ الشراكة وتبادل المنافع والخبرات بما يعزز آمال قيام الشراكة السياسية والاقتصادية بين هذه الدول كافة، لا سيما إذا كانت هناك تجارب سابقة وخبرات متراكمة.
وما من شك أن من المسائل المهمة في عالم الاقتصاد اليوم والتي تعطي القدرة على التغلب على كافة التحديات التي قد تعترض تحقيق الأهداف التنموية طويلة المدى، هي تنويع مصادر الدخل وعدم الاقتصار على مصدر واحد، وحين عقدت حكومة السلطنة العزم على تجاوزها، اتجهت بصورة واضحة إلى استغلال ما حباه الله به بلادنا من مواد خام وموقع الاستغلال الأمثل، وعمليات الاستثمار في الموانئ وعمليات النقل البحري، وفي السياحة والصناعة التحويلية وغيرها من القطاعات الإنتاجية.
ومن واقع الحملة الترويجية التي انطلقت أمس في الجمهورية الإسلامية الإيرانية والتي تنظمها هيئة المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، فإن هذه الحملة تمثل فرصة كبيرة للتعرف على المناخ الاستثماري، والوقوف عن كثب على ما تتمتع به السلطنة من مقومات اقتصادية وسياحية، وعلى النشاط الاستثماري الكبير الذي يمكن أن يلعبه القطاع الخاص الإيراني في السلطنة. فقد كان لقاء معالي رئيس هيئة المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم مع المسؤولين ورجال الأعمال الإيرانيين، مناسبة طيبة لمناقشة هذه المسائل ولتعزيز التبادل التجاري بين البلدين، وتشجيع حركة التجارة والاستثمار، وتعزيز علاقات التعاون الثنائي بين السلطنة وإيران في مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، وبحث فرص تدريب وتأهيل الشباب العماني في مختلف المجالات، بما ينعكس إيجابًا على اقتصاد البلدين. فمنطقة الدقم تعد منطقة اقتصادية واعدة من شأنها أن تحرك عجلة الاقتصاد الوطني وتجذب الكثير من الاستثمارات، وذلك للموقع الاستراتيجي الذي تقع بين أحضانه المنطقة الاقتصادية، بما يمكن من الممارسة الفعلية والحقيقية لمختلف النشاطات الاقتصادية والاستثمارية ذات العلاقة، فهي منطقة تشغيلها يتكامل مع ميناء صحار الصناعي وميناء صلالة، والمناطق الصناعية في البلاد، لتمثل أبواب استثمار واسعة وروافد اقتصادية وطنية ومصادر دخل متنوعة لما تحتويه من صناعات مختلفة، وكوادر عمانية شابة.