نواصل الحديث في القانون العام، ونخصص هذه المقالة والمقالات التي تأتي بعدها لبيان حقوق االإنسان في النظام الأساسي للدولة، الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (101) لسنة 1996م... من حيث ماهية ومضمون هذه الحقوق، وبيان الحماية والضمانات التي أوجدها النظام الأساسي للدولة، اتساقا وحقوق الإنسان المحمية بالدساتير والمواثيق الدولية... لقد كفلت معظم الدساتير الدولية التي أعدتها هيئات الأمم المختلفة التمتع بالحق في العمل باعتبارها ضمان هذا الحق يؤثر وبشكل كبير في حياة المجتمع وفي مختلف زواياه.
وعلى هذا فقد نصت المادة (23) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن "1-لكل شخص حق العمل وفي حرية اختيار عمله، وفي شروط عمل عادلة ومرضية، وفي الحماية من البطالة. 2-ولجميع الأفراد- دون تمييز- الحق في أجر متساو وعلى العمل المتساوي. 3-ولكل فرد يعمل حق في مكافأة عادلة ومرضية تكفل له ولأسرته عيشة لائقة بالكرامة البشرية، وتستكمل عند الاقتضاء بوسائل أخرى للحماية الاجتماعية."... ومن المواثيق الدولية الأخرى في ممارسة حق العمل "اتفاقية تحديد ساعات العمل في المنشآت الصناعية التي حددت هذه الساعات بثماني ساعات يوميا وثمان وأربعين ساعة أسبوعيا.".
وتعتبر منظمة العمل الدولية أهم وأدق وسيلة لحماية حقوق العامل حيث ضمنت هذه المنظمة جميع حقوق العامل من خلال محورين متلازمين ومتكاملين، الأول يهدف إلى الإشراف الروتيني الدائم على تطبيق مواثيق المنظمة من أجل الحصول على أدق المعلومات وانظرها في مدى تطبيق الدول لمواثيق وإتفاقيات المنظمة، للفحص ما إذا كانت هناك انتهاكات على حقوق العامل، والثاني يتمثل في النظر في الدعاوى والشكاوى المقدمة من الحكومات أو أصحاب العمل، أو العمال لعدم وفاء الدول بالتزاماتها تجاه ما وجب عليها... والقارئ للنظام الأساسي العماني يجده أن من ضمن المبادئ الاجتماعية التي حماها النظام هو "حق العمل"... وقبل الدخول في مضمون هذا الحق- يجدر بنا توضيح حكمة المشرع العماني من إدخال حق العمل في دائرة المبادئ الاجتماعية بدلا من وضعه في دائرة المبادئ الاقتصادية... هناك بعد سام يتفق والهدف من العمل، المتمثل في توفير حياة أسرية كريمة للعامل، باعتبار الأسرة الخلية الأولى في بناء أي مجتمع...
وعلى هذا جرى نص البند (6) من المادة (12) من النظام الأساسي العماني بالقول.... تسن الدولة القوانين التي تحمي العامل وصاحب العمل وتنظم العلاقة بينهما، ولكل مواطن الحق في ممارسة العمل الذي يختاره لنفسه في حدود القانون، ولا يجوز فرض أي عمل إجباري على أحد إلا بمقتضى قانون ولأداء خدمة عامة وبمقابل أجر عادل."... ومن هنا أكد هذا المبدأ أن العمل حق لكل مواطن، ويعني "حق الفرد في أن توفر الدولة العمل لجميع المواطنين، وفي مزاولة العمل الذي يريده ويختاره، وعدم إجباره على مزاولة عمل معين، من منطق أنه لا يجوز الحيلولة بين الفرد والعمل الذي يرغب فيه، ونظرا لأهمية هذا الحق نصت عليه معظم القوانين المنفذة للدساتير وبالفعل جاء قانون العمل العماني الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (35/2003) ترجمة للمبدأ رقم (6) من النظام الأساسي للدولة، جاء بواقعية وذات طبيعة خاصة باعتباره يخاطب شريحة كبيرة من أفراد المجتمع... منها المادة (49) من "تؤدى الأجور وغيرها من المبالغ المستحقة للعامل بالعملة المتداولة قانونا..."، والمادة (65) منه "للعامل الحق في أجره الشامل خلال العطلات..."، والمادة (68) منه "لا يجوز تشغيل العامل أكثر من تسع ساعات في اليوم الواحد..." وغيرها من الضمانات الأخرى... لكن ما يجب الإشارة إليه أن حق المواطن في العمل، لا يعني أن لكل فرد حقا في أن توفر له الدولة فرصة عمل، ولكن هذا الحق يعني أن للمواطن حقا على الدولة في اتخاذ كافة الوسائل اللازمة لتحقيق الحياة الكريمة للمواطن من خلال إيجاد عدد من البرامج التي تناسبه لسد حاجاته وهذا هو واقع السلطنة... الكثير من البرامج والعديد من الصناديق الداعمة للمواطن في إيجاد فرص العمل لعل أهمها "صندوق الرفد" الذي حوى في جلباته الكثير من الوسائل الضامنة لفرص كثيرة ومتنوعة لمختلف رغبات المواطن... والنهوض بمستوى هذه الوضائف من عامل إلى صاحب عمل أي ما يسمى حديثا " ريادة الأعمال"...

الدكتور سالم الفليتي
محام ومستشار قانوني
كاتب وباحث في الحوكمة
والقوانين البحرية والاتفاقيات الدولية