[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
حين هاجم الرئيس الليبي الراحل العقيد معمر القذافي الأمم المتحدة ومجلس الأمن واصفًا المجلس بأنه مجلس إرهاب لعدم توفيره الأمن للناس، راميًا بنسخة من ميثاق الأمم المتحدة على الأرض، في اجتماعات الجمعية العامة الرابعة والستين، كان ذلك يشبه إرهاصًا لما دبر بليل ليس ضد العقيد الراحل وبلاده، وإنما ضد المنطقة بأسرها، حيث مثلت الأمم المتحدة ـ ولا تزال ـ منصة متقدمة لانطلاق موجات "سونامي" الإرهاب في المنطقة عبر أول قرار أممي يصدر عن مجلس الأمن رقم (1973) بذريعة دعم ما سميت بـ"ثورات الربيع العربي" في ليبيا التي سكب عليها حلف شمال الأطلسي حمم جحيمه، بحجة حماية المدنيين المحاصرين في مدينة بنغازي، وإيقاف تقدم قوات العقيد الليبي نحو المدينة، حيث لعب الإعلام الساقط مهنيًّا وأخلاقيًّا دورًا كبيرًا في إحكام المؤامرة على ليبيا لتصل إلى نهاياتها على النحو المشاهد من تحولها إلى دولة فاشلة تنهشها أنياب عصابات الإرهاب التي سميت بـ"الثوار".
في فترة الولاية الثانية للرئيس الأميركي بيل كلينتون، وفي اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة أيضًا عام 1996م، أذكر (أنا كاتب المقال) لقاء أحد الصحفيين بوزيرة الخارجية الأميركية آنذاك مادلين أولبرايت (أو بالأحرى هالفبرايت) عن تسبب الحصار الأميركي الظالم والعقوبات الاقتصادية الظالمة على العراق في وفاة أكثر من نصف مليون طفل عراقي أجابت بردها الشهير "كان الأمر يستحق ذلك". وحسب "الموسوعة الحرة" كان ردها "إنه ثمن مناسب للحصار".
بين الأمس وهذه الأيام التي تشهد اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، لم تشهد المنظمة الدولية أي تغيير، بل إن شِلَل دعاة القتل ودعم الإرهاب وتمويله، وتجار الحروب وسماسرة حقوق الإنسان، يصرون على تحويل منابرها وقاعاتها وأزقتها إلى مواخير وأماكن نخاسة ومزادات لدماء الشعوب المستضعفة وثرواتها. فقد كانت لافتة كلمات تلك الشِّلَل التي تفاوتت مسمياتها بين حاكم ورئيس ورئيس وزراء و...، وما حملته من أكاذيب وترهات وفائض نفاق لتمرير صفقات النهب واللصوصية، ومواصلة سفك دماء المدنيين وغير المدنيين، حيث بدا كل واحد من هؤلاء الندامى ممسكًا بيد ساطورًا وفي الأخرى كأس نبيذ، ويقيء كذبًا على قاعة الجمعية العامة، ويحيض دمًا فاسدًا من نفاقه على الحضور والمتابعين، لتبلغ الرطانة وفائض الكذب والنفاق إلى التبرؤ من الدماء البريئة وخاصة دماء الأطفال، ورمي جرائمهم على الآخر.
والتزامًا بالمصداقية والموضوعية حيال أهمية تفنيد ما حاضه الندامى من كلام فاسد لا يستسيغه أي عاقل، وما قاءوه من تحريض وتشويه ونفاق، نستند إلى تقارير الأمم المتحدة ذاتها التي يستخدمها الندامى مطية لمشاريعهم التدميرية، ولحماقاتهم وحروبهم، ومنها:
أولًا: في (9/6/2015) أعلنت زينب بانجورا مبعوثة الأمم المتحدة لشؤون العنف الجنسي أن المراهقات اللاتي يخطفهن عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي في العراق وسوريا يبعن في أسواق نخاسة مقابل أثمان بخسة قد توازي سعر علبة سجائر أحيانًا .وزارت زينب العراق وسوريا في أبريل الماضي، مؤكدة أنها حرب تجري على أجساد النساء. وتابعت المبعوثة الأممية: إن "الجهاديين" يخطفون النساء عندما يسيطرون على مناطق حتى يحافظوا على...لا أريد أن أستخدم عبارة مخزون متجدد... كي يظل لديهم فتيات جديدات. فعلى سبيل المثال في العراق، احتجز عدد منهن في غرفة كن أكثر من مئة في منزل صغير وتمت تعريتهن وغسلهن، ثم أجبرن على الوقوف عاريات أمام مجموعة رجال ليحددوا ما تساويه كل واحدة، فضلًا عن حالات الاغتصاب.
ثانيًا: في (16/7/2015) وفي تحقيق أخباري لوكالة الأنباء الألمانية، لجأت بعض العوائل العراقية النازحة في الفترة الأخيرة إلى بيع أطفالها بسبب الفقر الشديد والجوع. وقالت وصال العزاوي (44 عامًا) ـ التقت معها الوكالة ـ متزوجة منذ 20 عامًا ولم تنجب أطفالًا "هناك عوائل من مهجري قضاء المقدادية أو ناحيتي جلولاء والسعدية لجأت إلى بيع أطفالها، وقد اشتريت أحد الأطفال بسعر 500 دولار لأتخذه ولدًا لي لكن دون تسجيله باسمي أو اسم زوجي". أما النازحة نورهان محي (20 عامًا) وهي شقيقة أحد الأطفال الرضع الذين تم بيعهم فتقول بعد أن رفضت والدتها التحدث إن "والدتي باعت شقيقي الأصغر وهو رضيع لا يتجاوز 6 أشهر بسبب عدم امتلاكنا أثمان شراء الحليب، وإن أغلب الأطفال الذين يتم بيعهم رضع". وأوضحت "ظروفنا الصعبة والمريرة أجبرتنا على بيع شقيقي وهو أمر لا يحتمله العقل، فلا مكان ولا مال ولا غذاء لدينا فكان الأفضل بيعه إلى إحدى العوائل الميسورة الحال حتى وإن كان بمبلغ زهيد لضمان بقائه على قيد الحياة". فيما قال حكمت جنكيز (رب أسرة من أبناء قضاء الخالص مكونة من 11 فردًا وليس لديه عمل) وهو يسرد قصته والدموع تنهمر من عينيه بالقول "لدي طفلة في الشهر السادس من عمرها، وإنني لا أريد التفريط بها، لكني لا أمتلك المال لإطعامها، ولا أستطيع توفير الحياة الآمنة لها؛ ولذلك بحثت عن عائلة أخرى لبيعها بمبلغ 1000 دولار لتحصل على الرعاية الكاملة". وغيرها الكثير في سياق التحقيق من القصص المؤلمة والمحزنة.
ثالثًا: في (9/6/2015) نشرت الأمم المتحدة "قائمة العار" للجهات المنتهكة لحقوق الأطفال بدون أن تدرج ضمنها كيان الاحتلال الإسرائيلي، رغم الدعوات إلى ذلك بعد استشهاد أكثر من 500 طفل فلسطيني في العدوان الإرهابي الإسرائيلي على قطاع غزة. وكانت جماعات تعنى بالدفاع عن حقوق الإنسان طالبت الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بإضافة كيان الاحتلال إلى القائمة، إلا أن بان كي مون قرر الإبقاء على قائمة العام الماضي بدون تغيير، مكتفيًا بالإعراب عن "قلق عميق" بسبب "الانتهاكات الجسيمة بحق الأطفال نتيجة العمليات العسكرية الإسرائيلية في 2014".
رابعًا: في (20/9/2015) أعلنت الولايات المتحدة عن دخول الدفعة الثانية من الإرهابيين المنضوين تحت ستار "المعارضة المعتدلة" مع عتاد وأسلحة ثقيلة، وتتكون الدفعة من خمسة وسبعين إرهابيًّا. فضلًا عن ملايين الدولارات والعتاد والأسلحة التي بينها صواريخ تاو التي أعلنت عنها واشنطن مرارًا وتكرارًا لدعم الإرهاب داخل سوريا بذريعة دعم "المعارضة المسلحة المعتدلة"، إلى جانب الدعم المعلن والخفي لذراعي تنظيم القاعدة الإرهابي "داعش والنصرة"، والدور اللافت الذي لعبه الأعراب وجامعتهم في فتح صنابير السلاح والأموال لإبادة الشعب السوري بذريعة "مساعدته". إذًا من يقتل الأطفال ويدمر المنطقة وشعوبها وينهب ثرواتها؟ أليس المستعمرون وأذنابهم وأدواتهم في المنطقة القتلة الفجرة؟
إن تلك الحقائق والاعترافات الموثقة هي غيض من فيض الحقائق والأدلة الدائنة، ولا ترتب فقط مسؤولية وإدانة لدعاة الديمقراطية والحرية وحماية حقوق الإنسان، وتجار الحروب وداعمي الإرهاب ومموليه، وإنما تعرِّي الكذب والنفاق والتحريض والتشويه الذي ساقوه على منبر الجمعية العامة، والذي أرادوا ستر أدوارهم في قتل الأطفال وتهجير السكان وتدمير البنى التحتية في سوريا والعراق وليبيا وصولًا إلى تفتيتها. إذ إنه كافٍ التدليل على أن هؤلاء الأطفال والشباب والنساء والمسنين في عيش كريم وأمن وأمان يأخذون حقوقهم في التعليم والصحة وفرص العمل قبل تفجير مؤامرة "الحريق العربي"، فلم يكونوا طعامًا لحيتان البحر المتوسط، ولم يتعرضوا للإذلال والاستعباد، كما يتعرضون على أسوار أوروبا "بلاد الديمقراطية والحرية"، كما يقولون.