تتعدد المبادرات والمقاربات السياسية حول ما يخص ملف الصراع العربي ـ الإسرائيلي وحل القضية الفلسطينية، إلا أنه في كل المقاربات والمبادرات المطروحة والتي قد تطرح، كانت المصلحة الإسرائيلية هي الحاكم والمتحكم والموجِّه خاصة للسياسات الغربية المتحالفة استراتيجيًّا مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، وكل ما يخرج عن ذلك غير قابل للنقاش أو للمساومات، سواء في الأروقة الدبلوماسية الغربية أو في الأمم المتحدة أو على المستوى الثنائي بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ولهذا كانت الأمم المتحدة بمجلس أمنها ومجلس حقوق الإنسان التابع لها ومنظماتها مسخَّرة من قبل القوى الغربية المتحكمة في قرار المنظمة الدولية لخدمة كيان الاحتلال الإسرائيلي. ولذلك، كانت محطات الفشل تنتقل من مربع إلى آخر، والمعضلات تنتقل من محطة إلى أخرى، فهناك كان كيان الاحتلال الإسرائيلي، وهنا هو كيان الاحتلال الإسرائيلي، وفي كل محطات الفشل والمعضلات التي تواجه جهود حل ملف الصراع والقضية الفلسطينية كان السبب المقاربة الإسرائيلية التي تعاكس على الدوام كل المناخات السياسية السائدة حيال كل القضايا.
ولا يختلف اثنان على امتداد خريطة العالمين العربي والإسلامي، على أن القضية الفلسطينية هي أُم القضايا ومحور أي صراع في منطقة الشرق الأوسط، وأن أي حل يفضي إلى سلام شامل دائم بين العرب والإسرائيليين، هو مفتاح استقرار الأوضاع بالمنطقة، وتوفير الأمن لشعوبها، وتوجيه مواردها نحو إحداث تنمية شاملة مستدامة تحقق الرخاء للجميع. إلا أن مسار الأحداث لا يشي بتغير نحو تلك النظرة، بل إن هناك إصرارًا واضحًا من قبل كيان الاحتلال الإسرائيلي وحلفائه الاستراتيجيين على تأزيم الأوضاع وتحويل المنطقة إلى كتل من نار تحرق الأخضر واليابس، توهمًا منهم أن إشعال المنطقة بحرائق الفتن الطائفية والمذهبية والسياسية سيعمل على تحقيق الأحلام التلمودية التي يسعى الصهاينة إليها منذ ما يزيد على ستة عقود على اغتصابهم أرض فلسطين، بقيام المستعمرة الإسرائيلية الكبرى من النيل إلى الفرات، تكون القدس العاصمة الأبدية لها، وما جاورها من كيانات طائفية متناحرة تدين بالولاء لهذه المستعمرة، وتكون في حاجة دائمة إليها.
وأمام هذا التكامل في التوجهات والسياسات الإسرائيلية والسياسات الغربية الموالية لها والمتحالفة معها استراتيجيًّا، وازدواجية المعايير، مع ما يشهده الراهن العربي من رجعية وخيانات لقضايا الأمة وتحالفات مع أعدائها، استشرى الإرهاب الإسرائيلي وتمادت الممارسات والانتهاكات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، وتغولت سياسة الاستيطان والتهويد بصورة غير مسبوقة وبخاصة تجاه المقدسات الإسلامية وفي مقدمتها المسجد الأقصى.
في موازين العدالة، كم يتبين مدى الشذوذ وحالة الفصام التي أصابت القوى الغربية الداعمة للاحتلال الإسرائيلي والمنظمات الدولية، ومدى النفاق السياسي لهذه القوى وخاصة في توظيفها لسياساتها والمنظمات الدولية فيما يخدم الاحتلال الإسرائيلي وبقاءه وتوحشه، ويخدم مصالحها؛ ولذلك أصبح وضع حقوق الإنسان الفلسطيني بحاجة إلى صدق مع النفس وصحوة ضمير من قبل تلك القوى السياسية المعادية له، وهذا الصدق وصحوة الضمير يبدآن من الاعتراف بأن "حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني يعتبر من الركائز الأساسية لشعب حرم من أرضه ووطنه، وإلزام "إسرائيل" القوة القائمة بالاحتلال، بالانصياع إلى النداءات والقرارات الدولية، وبالانسحاب من كافة الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة بما فيها الجولان السوري للوصول إلى ما نطمح إليه جميعًا في المنطقة وهو السلام الشامل والعادل".
وفي هذا السياق عبرت السلطنة مجددًا عن إدانتها الشديدة للتصعيد الخطير الذي تقوم به "إسرائيل"، القوة القائمة بالاحتلال، وللاقتحامات الإسرائيلية المتكررة للمسجد الأقصى المبارك والاعتداءات على المصلين، وتقويض حرية العبادة التي زادت وتيرتها مؤخرًا تحت حماية جيش وشرطة الاحتلال، والاستمرار في سياسة ممنهجة لتهويد مدينة القدس المحتلة، وتغيير تركيبتها الديمغرافية وعزلها عن محيطها الفلسطيني، وسياسة الاستيطان والحصار. وجددت السلطنة أهمية البند السابع في أعمال دورات مجلس حقوق الإنسان للغاية الإنسانية السامية التي وضع من أجلها بعيدًا عن التسييس وازدواجية المعايير من خلال طرح شفاف ونزيه لما تتعرض له الأراضي الفلسطينية والأراضي العربية المحتلة الأخرى من انتهاكات إسرائيلية، باعتبارها الحالة الاستيطانية الأولى في العالم منذ عقود، ونثمن احترام عدد من الدول هذا البند بالحضور والتفاعل، وذلك في كلمة السلطنة التي ألقاها سعادة عبدالله بن ناصر الرحبي سفير السلطنة ومندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة والمنظمات الأخرى في جنيف أمام الدورة الـ(30) الحالية لمجلس حقوق الإنسان في إطار البند السابع – النقاش العام المتعلق بـ"حالة حقوق الإنسان في فلسطين والأراضي العربية المحتلة الأخرى".