مسقط ـ العمانية:
في عالم ملؤه الإثارة والمغامرة، تكتب "سانيا تشو جتاي"، كاتبة من أصل باكستاني مقيمة في جمهورية إيرلندا، قصتها الخيالية التي تنتمي إلى أدب الطفل، بعنوان "مغامرات تشي وديه في عُمان. وهي قصة حدثت في قديم الزمان وتتخذ من عمان مكانا لأحداثها كما تقول الكاتبة في تقديمها تعتمد على الخيال الأسطوري والماورائي وتجمع بين صديقين من الكائنات الحية، وهما الشمبانزي المشاغب والذي يظهر في القصة باسم "تشي"، وأنثى الدولفين البشوشة وتظهر في القصة باسم "ديه"، كائنان حيان يستبعد تلاقيهما في الحياة، فيلتقيان بالصدفة، وتحدث بينهما مغامرة ماتعة للقارئ، وهو يتابع تفاصيلها في ثنايا الكتاب. صدرت الطبعة الأولى من الكتاب هذا العام في مسقط، عن مؤسسة بيت الغشام للنشر والترجمة، بدعم من البرنامج الوطني لدعم الكتاب، ترجم النص إلى العربية عبدالله بن سعيد الحارثي، واخرج العمل محمد بن زاهر الشريقي. ويحفل الكتاب برسوم توضيحية في أكثر صفحاته ترسم مسار القصة الخيالية بريشة مشيل عرفان، ورغم قصر النص حيث لا يتعدى أكثر من 140 صفحة إلا أنه يتألف من ثمانية فصول متتابعة، كل فصل يقود إلى قصة ساحرة، وعالم من السرد والحكي الخيالي باذخ الجمال. تبدأ القصة من "كهف الهواء"، الذي دخله الشمبانزي "تشي" بالصدفة، فقد اعتاد هذا الشمبانزي على لعب كرة القدم مع أصدقائه في الحقل، وفي أحد الأيام أنساه انسجامه في لعب الكرة العالم من حوله، حيث دخل في عالم جميل من الأحلام، وبعد أن استفاق أدرك أن كل أصدقائه الذين كانوا يلعبون معه قد عادوا إلى البيت، وبقي وحيدا، ولذلك حاول العودة إلى بيته بسرعة فائقة، وأثناء جريه على حافة منحدر سقط في حفرة، تكونت بسبب المطر الهاطل، فدخل من خلالها إلى نفق طويل ومظلم، حتى استقر بعد تدحرجه في مكان لم يعهده من قبل، ليجد نفسه في كهف محاط بأشجار معمرة، رأى فيه القمر والنجوم وبحيرة ماء، وسمع أصوات أمواج متدفقة، وبينما كان يغسل وجهه ويديه من أثر الخدوش التي لحقت به أثناء تزحلقه، يلتقي بأنثى الدولفين البشوشة، وتظهر في القصة باسم "ديه"، فتتقافز أمامه، وتحاول أن تلاطفه بالاقتراب منه، فتارة تتبسم له، وتارة ترشه بالماء، وبعد حوار ومشاكسة بريئة تولدت بينهما صداقة حميمة. وتعرَّف تشي على المكان السحري، وهناك يلتقي في كهف الهواء المسحور بقطار سحري أيضا، أطلقت عليه الكاتبة اسم "سي بي"، فأغرته ديه ليركب معها القطار، وقالت له: ركوبك على متن القطار سي بي سيكون أروع رحلة تقوم بها في حياتك، لقد بدأ الظلام يخيم علينا، لذا أرى من المناسب أن تذهب الآن إلى المنزل وتعود هنا صباح الغد. وفي صباح اليوم الثاني عاد تشي إلى مكان صديقته ديه، بعد أن عرف الطريق السرِّي المؤدي إلى الكهف المسحور، ليركب معها قطارا يشبه أم أربعة وأربعين بملايين الأرجل، يطلق عليه اسم "سي بي"، حيث يعتلي عربة مكسوة بالقش، بينما تركب ديه عربة مليئة بالماء، يسمح لها بالحركة والغوص، وفي القطار يلتقي ديه بزرافة خجولة طويلة العنق، اسمها "زرافيه"، وأصلها من زنجبار، ثم ركب معهما ضب بأقدامه الأربعة واسمه "ديز"، جاء من بعيد إلى القطار، وقد أحرقته الرمال الساخنة، يعيش في صحراء عُمان، حيث أوصلهم القطار إلى عمان، لتبدأ المغامرة من جديد، ويتعرفون على عالم جميل من الأمكنة والكائنات، فيدخلون إحدى مزارع النخيل، ولأن الشمبانزي تشي يحب القفز وتسلق الأشجار، فقد تسلق نخلة ذات جذع ضخم، وهي شجرة سحرية تدعى "ميبا"، ويكتشف الضب "ديز"، ليحاول أن يصل إلى تمرها الأرجواني، لكنه يقع على ظهره بسبب وجود مادة زيتية زلقة، ثم وجد طريقة للوصول إلى تمر النخلة المسحورة، وذلك بالنفخ على بالونات غريبة تشبه الأوراق تدعى "أحذية واوو"، وبدأ بتسلق النخلة، وتسلق معه باقي أصدقائه بعد أن لبسوا تلك الأوراق الأحذية، فأكلوا جميعا منه، ووجدوا أن طعم التمر غريب يشبه الشوكولاته مليء بالمفاجآت .وفي رحلتهم الروحية هذه يتعرفون على شجرة رمان كبيرة يطلق عليها اسم "برومجا"، تحتوي على جواهر متعددة الألوان، ومن مغامرة إلى أخرى، يدخلون معا في أنفاق سرية ومجهولة، تقودهم إلى عوامل سحرية، عبر وسيلة نقل تدعى "الفافا"، وفي طريقهم المائي يتعرفون على قنديل بحر طائر، يأخذ عربة الفافا إلى مجلس الجن، حيث استدلوا عليه عن طريق غيلم ودود يطلق عليه اسم "شرف" يعرف مكان المجلس، وهناك يلتقون بعوالم شريرة أطلق عليها اسم "الأخوات رارا"، وهي زوابع سوداء، تحمل في داخلها حقدا أسود، تمتطي سجادات طائرة، ويرميها بكرات ملتهبة يطلق عليها اسم "جوبوس"، لكنهم يتغلبون عليها بسحب السجادات من تحت الزوابع السوداء، ثم تذوب الزوابع السوداء في الفراغ، ولأنها كائنات سحرية ستظهر لهم من جديد في فصول أخرى من القصة .. الخ.
ومن خلال القصة نتعرف على بعض المفردات التي تعيش في البيئة العمانية، كالنخلة، وشجر الرمان، والسلحفاتان الصغيرتان "هاف وفاه"، وعلى أمكنة مثيرة للحكايات كمجلس الجن، والسلحفاة الخضراء العظيمة والحكيمة، والقرش الودود الذي يطلق عليه اسم "فنفش"، دوره الرئيسي في القصة أنه يروي الحكايات للأطفال، الذين يساعدهم على فك السحر الذي حاق بهم أثناء مغامرتهم بواسطة ريشة "بافا" وهي ريشة سحرية يستخدمها القرش لفك تعويذة الرمال الدوام. القصة تمثل شكلا من أشكال المتعة الحسية يقارب فيها الخيال بين شخصيات يستحيل أن تجتمع في الحقيقة في قصة فانتازية مؤثرة، من مؤلفة تعتبر ناشطة في مجال قصص الأطفال وهو حب يظهر لديها عندما كان والدها يروي لها القصص في بلدها الأصلي باكستان، وزاد شغفها بعد إقامتها في جمهورية ايرلندا، استمعت خلالها للكثير من القصص والأساطير.وتجسد القصة في مجملها الصراع الدائم بين قوى الخير والشر،وفي النهاية تنمحي الكائنات الشريرة ويتغلب الخير، ويعود تشي وديه إلى شاطئهما الجميل حيث التقيا، فيودعان بعضهما البعض، على أمل أن يلتقيا في مغامرة جديدة. مثل هذا النص خيالي بامتياز يتكئ على بعض المفردات من الواقع ليتخذ منها مسرحا يقيم فيها أحداثه وهو نص فاتن للصغار يوسع من مداركهم ويجنح بهم إلى عوالم جميلة من الألوان والأطياف.