كان من الأسباب التي دفعت العثمانيين إلى منطقة الخليج والمحيط الهندي في القرن السادس عشر، هو أن بهادر شاه سلطان كجرات1 في الهند أوفد رسولا إلى السلطان العثماني سليمان القانوني يطلب مساندته ضد القوات البرتغالية التي غزت بلاده في ذلك الوقت، وذكر في رسالته بأنه سيضطر إلى الاستسلام للغزاة إذا لم يمده سليمان بقوات بحرية كبيرة تستطيع الوقوف أمام العدو، ولما كانت الدولة العثمانية تقوم في ذلك الوقت بدور حامية الإسلام ضد الحركة الصليبية، فقد وجد بهادر شاه استجابة من الباب العالي.
وبعد أن تمكن العثمانيون من فرض الحكم المباشر على البصرة في عام 1546م، أقام العثمانيون فيها قاعدة بحرية فيها للدفاع عن منطقة الخليج العربي ضد السيطرة البرتغالية التي سبقت الحكم العثماني، وتمكنوا من توطيد مركزهم في هرمز والتي كانت المركز الرئيسي لحركة التجارة من الهند وإليها.
وعندما تمرد سكان القطيف على حكم ملك هرمز بمساعدة شيخ الحسا وطردوا الحاكم الهرمزي وطلبوا المساعدة من السلطات العثمانية في البصرة، واحتل العثمانيين ميناء القطيف في عام 1550م، ووضعوا حامية في حصنها استفادت السلطات البرتغالية من طلب المساعدة الذي تقدمت به قبائل البصرة إليها ضد الحكم العثماني، وتمكن الأسطول البرتغالي والهرمزي من تدمير حصن القطيف. وردت الدولة العثمانية على سقوط حصن القطيف، بإرسال حملة بحرية بقيادة بيري ريس2 للإنتقام منهم، حيث تمكن من استرداد عدن مرة أخرى.
وفي نوفمبر 1552م، أرسل السلطان سليمان القانوني تعليمات إلى باشا البصرة لإبلاغها إلى بيري ريس تقضي باحتلال هرمز والاستيلاء على البحرين، وتمكن محمد بك بن بيري ريس من الوصول إلى مسقط، ثم لحق به والده بيري، حيث تمكن من احتلال قلعة مسقط وأسر حاميتها.
وأبحر نحو جزيرة هرمز، فوصلها في 19 سبتمبر 1552م، غير أنه لم يتمكن من الاستيلاء عليها، لمقاومة نائب ملك البرتغال في الهند دي نورونها له de Noronhe، والذي بعث بسفن استكشافية لمعرفة مواقع البحرية العثمانية للقضاء عليها قبل أن تصل إلى أهدافها.
وفي عهد علي ريس3 أبحرت السفن العثمانية باتجاه هرمز، وعندما تقدم الأسطول البرتغالي، وقعت معركة عنيفة بين الأسطولين البرتغالي والعثماني في 9 أغسطس 1554م، كان النصر في البداية لصالح العثمانيين، غير أن دي نورنها جاء بأسطول برتغالي من الهند، كما نقل مجموعة من السفن الحربية إلى مسقط.
وعندما وصل سيدي علي ريس إلى صحار، انطلق الأسطول البرتغالي من مسقط، ولذلك اضطر سيدي علي للفرار بعد أن لحقت به خسائر جسيمة، وعاد براً إلى الآستانة4 عن طريق بغداد، فوصلها في مايو 1557م بعد ثلاثة سنوات من بداية حملته في الخليج العربي.
وكان السلطان سليمان القانوني قد أرسل صفر ريس ومعه ثلاث سفن للبحث عن الأسطول العثماني الذي يقوده سيدي علي ريس، ولكنه لم يتمكن من العثور على أي أثر له، فأكتفى بأسر بعض السفن البرتغالية التي كانت في طريقها بين ديو وهرمز. وكانت هزيمة الأسطول العثماني بقيادة سيدي علي ضربة قوية ومؤثرة على القوة البحرية العثمانية في الخليج العربي.
ولم يقم العثمانيون بعد فشل حملة سيدي علي ريس بمحاولات بحرية مهمة، باستثناء المحاولة الفاشلة التي قام بها مصطفى باشا والي الأحساء5، الذي أخذ على مسئوليته القيام بحملة ضد جزيرة البحرين في عام 1559م، وظلت البحرين جزيرة حاجزة بين النفوذين العثماني والبرتغالي.
ومهما يكن من أمر، فقد تحكم العثمانيون بطرق التجارة البرية بين البصرة وحلب6، وشجعوا على تدفق البضائع الشرقية عبر الخليج العربي والبحر الأحمر، مما أدى انتعاش التجارة في مصر وبلاد الشام في أواخر القرن السادس عشر، وعملوا بكل قوة لمنع عرقلة البرتغاليين لطرق الحج والتجارة الشرقية، وسعوا إلى إحياء الطريق التجاري البري بين أواسط آسيا والقرم7.
ولكن مركز البرتغال في الخليج العربي بدأ يضعف في الربع الأخير من القرن السادس عشر، وخاصة بعد خضوع البرتغال في عام 1580م للحكم الأسباني. وبسبب نقص الإمدادات إلى الحاميات البرتغالية في الخليج العربي. وفي عام 1581م أحرزت حملة مخا البحرية بقيادة علي بك نصراً على الأسطول البرتغالي في مسقط، وكانت هذه هي المعركة الأخيرة في سلسلة المعارك التي خاضها العثمانيون ضد البرتغاليين في مياه الخليج في القرن السادس عشر.
وفي الوقت الذي كان فيه العثمانيون منشغلين بالأخطار على الجبهة الصفوية في عهد السلطان مراد الرابع (1622- 1640م)8، كانت أوروبا تمزقها حروب الثلاثين عاما (1618-1648م)، التي كانت في أساسها حروبا سياسية ودينية، وحين استعادت الجبهة الأوروبية نشاطها في الربع الأخير من القرن السابع عشر، ضد هجوم العثمانيين للمرة الثانية على مدينة فيينا النمساوية، وحصارها في صيف عام 1683م. ولكن لم يكن الحصار مجدياً، فقد وصلت القوات البولندية لمساعدتها، واتحدت القوات الألمانية وأنزلت الهزيمة بالعثمانيين عند مشارف المدينة. وانسحب الجيش العثماني إلى بلغراد. وقد بعثت تلك الهزيمة مشاعر الفرح في أوروبا، كما وضعت في الوقت نفسه نهاية أحلام العثمانيين بالتوسع في الخليج.

هوامش :

1 - كجرات: مقاطعة هندية على الساحل الغربي، تطل على المحيط الهندي، ومن أهم مدنها بروش وكامبي وسورات، وكانت كجرات غنية اقتصاديا لخصوبة أراضيها، وارتبطت بعلاقات وثيقة مع مسقط والخليج.
2 - بيري ريس: ويسمى بيربك، وهو من أشهر البحارة العثمانيون الذين تطوعوا لمناهضة الأسبان والبرتغاليين في الخليج، اختارته الدولة العثمانية ليقوم بحملة بحرية انتقامية ردا على الهجوم البرتغالي على القطيف والبصرة عام 1550م، وكان الأسطول الذي وضع تحت قيادته يتكون من 30 سفينة تحمل 16 ألف جندي.
3 - علي ريس: تم تعيينه من قبل السلطان العثماني سليمان القانوني لمهمة تعقب البرتغاليين وحماية مصالح الدولة العثمانية ضدهم، وكان ملاحا يمتلك خبرة ملاحية كبيرة وله مؤلفات في علوم البحار، وعين قائدا للأسطول العثماني في مصر.
4 - الآستانة: الإسم الذي تعرف به القسطنطينية عاصمة الدولة العثمانية أيضأ، وهي كلمة فارسية من معانيها العاصمة أو مركز السلطنة.
5 - الحسا أو الأحساء بفتح الألف وسكون الحاء، اسم يطلق على المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، وهي الممتدة على الساحل الغربي من الخليج العربي من حدود الكويت الجنوبية إلى حدود قطر والإمارات وعمان، ويحدها من الغرب صحراء الدهناء، ثم أصبحت الآن إحدى أجزاء تلك المنطقة وليست كلها، وكان يطلق على تلك المنطقة اسم (البحرين) لفترة طويلة من الزمن إبان الفتح الإسلامي لها، وتمتد من البصرة في الشمال إلى عمان في الجنوب، وفي فترة من الفترات اللاحقة أطلق اسم الأحساء على قاعدة إقليم البحرين، كما أطلق عليها (هجر) أيضا، وكان ذلك بداية القرن الثالث الهجري، وكان إقليم أو منطقة الأحساء منذ القدم من أهم مناطق الجزيرة العربية، خاصة من الناحيتين الزراعية والتجارية. وتتبع الأحساء أربع إمارات، وهي إمارة الأحساء، وإمارة القطيف، وإمارة الجبيل، والإمارات البدوية المختلفة.
6 - كانت بلاد الشام تتلقى سلع الهند والشرق الأقصى عن طريقين هما الخليج العربي والبحر الأحمر، ثم أضيفت إليهما طريق ثالثة وهي الطريق الأطلسية في القرن السادس عشر الميلادي، وكانت سلع الخليج العربي تنقل إلى البصرة فبغداد ومنها إلى حلب فطرابلس والاسكندرون، ولم تتوقف حركة السلع بالاتجاهين في الخليج العربي، حتى في الحروب العثمانية البرتغالية، وظلت السلع الهندية تنقل من البصرة إلى بغداد مدة طويلة، غير أن المراكب الأوروبية ضاقت ذرعا من سوء معاملة الطرابلسيين سنة 1593م، فنقل بعضهم مكاتبه إلى الاسكندرون، وصاروا يشترون من أسواقها مايحتاجون إليه. أما حلب فبقيت نشيطة تحسن التصرف مع الوكلاء الأوروبيين.
7 - القرم منطقة تقع شمالي البحر الأسود.
8 - مراد الرابع: تولى الحكم في 10 سبتمبر سنة 1623م، وكان عمره 11 عاما، وظل على العرش حتى وفاته في 9 فبراير سنة 1640م

د.محمد بن حمد الشعيلي
أكاديمي في الجامعة العربية المفتوحة
[email protected]