ارتفع العلم الفسطيني الأربعاء الماضي بمبنى الأمم المتحدة بنيويورك عالياً خفاقاً متوجاً النضال الفلسطيني أو فلنقل النضال العربي، ومعه ايضا ارتفع سقف التوقعات بين الفلسطينيين، رغم انها توقعات مازالت تحتاج للكثير من (الشفافية الأممية) والجهود الفلسطينية والعربية، التي تتطلب تهيئة أفضل بمناخات الجغرافية السياسية المعروفة اختصاراً ( بالجيبوليتيك).
ورغم أن رفع العلم الفلسطيني بمبنى الأمم جاء بتصويت للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي يسمح برفع علمي فسلطين والفاتيكان فوق مقر الجمعية، وحصل على أغلبية ساحقة الا ان بعض المتشائمين يتساءلون: ماذا يعني رفع العلم، فوصفوه بأنه خطوة رمزية بالدرجة الأولى.
وعلى الجانب الآخر يرى المتفائلون بأنه خطوة تحمل أكثر من دلالة للفسطينيين على وجه التحديد. فهو في تقديرهم تتويج لمساعي ظلت مستمرة منذ قرار الجمعية للأمم المتحدة رقم 181 في عام 1947 الذي نص على إنهاء الانتداب البريطاني وتقسيم (فلسطين) إلى دولتين.
وكان المجلس الوطني الفلسطيني في المنفي قد نفض الغبار عن ذلك القرار في اجتماع استثنائي بالجزائر عام 1988 معلناً عن استقلال دولة فلسطين، فلاقى ذلك الاعلان اعترافاً من عدد كبير من الدول أغلبها دولاً عربية وإفريقية. ومنذ ذلك الحين ظل الحلم الفلسطيني يواجه العقبات تلو الأخرى فعمدت اسرائيل دفن الحلم بممارساتها الاستعلائية.
واستفادت اسرائيل في ذلك من مناخات اتفاقيات أوسلو للسلام رغم بعض ايجابياتها ، غير انها وظفت اتفاقيات السلام التي كان الفلسطينيون يرون فيها منفذا يوصلهم الى حل الدولتين، فوظفتها اسرائيل بنفس النمط البريطاني في مستعمراتها السابقة ، بأن استخدمت المحتلة أرضهم اي الفلسطينيين كوادر وظيفية لمجرد حفظ الأمن الاسرائيلي عبر التنسيق الأمني ، وخدمة الشعب الفلسطيني لنفسه في ادارة خدماته وتتفرغت هي لبناء اقتصادها بشبابها المستوردين من اوروبا الغربية والشرقية.
وفي خضم كل تلك الضبابية لم تخبو جذوة النضال الفلسطيني من اجل اقامة الدولة ، فجاء تصويت الجمعية العامة للامم المتحدة على عضوية فلسطين كدولة مراقب في عام 2012 ، فحصلت على اعتراف اكثر من 70% من عضوية الأمم المتحدة ، فحق لها بذلك حضور معظم اجتماعات الجمعية والاطلاع على المواثيق والاتفاقيات ، فيما ذهب بعض المراقبين الى انها خطوة تمكن الفلسطينيين من ملاحقة اسرائيل قضائيا في كثير من الانتهاكات مما قد يحد من بطشها بالفلسطينيين.
وبهذا التوالي المتمرحل في صعود عتبات الوصول الى الدولة المأمولة الكاملة العضوية تنكشف الدلالة الأولى من رفع العلم الفلسطيني على مبنى الأمم المتحدة الذي وصفه المتشائمون بالرمزية.
اما الدلالة الثانية في تقديري تنطلق من مبدأ أنه ما ضاع حق وراؤه مطالب، فحتى لو كان رفع العلم رمزياً فان تلك الرمزية بالضرورة انها ستلهب حماس الفلسطينيين ليواصلوا مساعيهم للحصول على حق اقامة دولة كاملة السيادة خصوصا وان الحقوق تؤخذ ولاتستجدي.
وما تصريح الرئيس الفلسطيني الأخير بالامم المتحدة الذي تضمن نيته عدم الالتزام بتعهداته تجاه اسرائيل ما لم تلتزم هي الأخرى بتعهداتها، الا انه بالضرورة نابع من تأثره النفسي الايجابي برمزية رفع العلم.
وفي كل الأحوال فان تعقيدات الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، تفرض على الطرف الأول ـ الفلسطينيين ـ التحلي بالمزيد من الصبر واستمرار الجهود بدون كلل، ولهم التاريخ الانساني مايعينهم ، فقد صبر أيوب حتى أكل الدود ساقه، وصبر يعقوب حتى ابيضت عيناه ، وصبرت أم موسى حتى فرغ فؤادها من الخوف، وصبر آل ياسر على اسلامهم في الجاهلية. فصبراً آل ياسر ابو عمار حتى تنالوا مبتغاكم.

طارق أشقر
كاتب صحفي سوداني