[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
في الوقت الذي حلَّق فيه بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بالجمعية العامة للأمم المتحدة والمتابعين لاجتماعاتها فوق الأجواء الإيرانية في إطار السياسة الإسرائيلية المعروف عنها بالمراوغة والكذب والتدليس لإبعاد الأنظار وتشتيتها عن حقيقة ما يمارسه كيان الاحتلال من جرائم بحق الشعب الفلسطيني والمقدسات الإسلامية، كان العويل على أشده في الضفة السورية، حيث بدأت روسيا الاتحادية عملياتها العسكرية ضد التنظيمات الإرهابية وفق القانون الدولي، وتلبية للطلب الرسمي من الحكومة السورية الشرعية المنتخبة، ومباشرة حلف التآمر والعدوان في تشكيل حملات إعلامية وسياسية مماثلة لتلك الحملات التي تشكلت مباشرة بعيد تفجير المؤامرة على سوريا لتتولى عمليات التحريض والتشويه والتدليس والفبركة، والتقليل من دور الضربات الروسية ضد العصابات الإرهابية والكذب بأنها استهدفت المدنيين وما يسمى المعارضة، وإرهابيي واشنطن "المعتدلين". فقد استغل مجرم الحرب نتنياهو حالة الاستمتاع لركاب رحلته في إسماعهم معزوفة شروط الاحتلال الإسرائيلي في أي مفاوضات قادمة مع الجانب الفلسطيني، وهي رفض الاعتراف بالحقوق الفلسطينية التي تعد ضمن قضايا الحل النهائي وجوهر عملية السلام والمفاوضات ولبها، والمتمثلة في الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة والقدس وحدود عام 1967 وعودة اللاجئين، والأسرى، حيث عدَّ مجرم الحرب هذه الحقوق الفلسطينية شروطًا مسبقةً، في حين تتواصل الانتهاكات والجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني والمقدسات وفي مقدمتها المسجد الأقصى الذي بدا يلفظ أنفاسه الأخيرة جراء تزايد عمليات التدنيس والنخر لأساساته والانتهاكات التي تجثم على صدره.
وفي ظل هذا الاستلاب، أصبحت المنطقة تقاد برسن الإرهاب وفائض النفاق والكذب والتحريض والحملات المسعورة والفتن الطائفية، والأعداء المختلقين، ما أفرز كمًّا هائلًا من المتناقضات التي تتخم بطون الكلاب، وتدلل على حجم التناقض بين القول والفعل وما تخفيه من أهداف استعمارية امبريالية غربية، ومن بين هذه المتناقضات:
أولًا: تصوير الجمهورية الإسلامية الإيرانية على أنها الخطر الداهم ليس على الأمة العربية وحدها، وإنما للأمتين العربية والإسلامية يجب محاربته ومعاداته، يقابله تحالف وتطبيع وتنسيق وعلاقات من تحت الطاولة ومن فوقها مع كيان الاحتلال الصهيوني الذي يسيم الشعب الفلسطيني أبشع ألوان النكال والجرائم، ويشرع في تدمير أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ضد الفلسطينيين والعرب وعموم المسلمين، بما يخدم بقاء كيان الاحتلال الغاصب وتوحشه، ما أوجد اصطفافًا ووحدة في الرؤية بين المحتل الصهيوني وعملائه من الخونة القدامى والجدد، واعتبار الاتفاق النووي بين إيران والغرب خطرًا على المنطقة، واعتبار تدخل طهران في شؤون المنطقة تدخلًا مرفوضًا، في حين لا تعد جرائم الحرب الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني والمقدسات، وسعي الاحتلال إلى تصفية القضية الفلسطينية، وتدخلاته وتآمره على دول المنطقة، خطرًا حقيقيًّا عليها، وأن تمويل الإرهاب ودعمه وإنتاج عصاباته هو لخدمة مشروع هيمنته على المنطقة، في خلط واضح بين ما هو مشروع وأمن قومي وحق ثابت في الاستفادة من التكنولوجيا النووية، وبين ما هو غير مشروع ومجرَّم في الشرائع السماوية والقوانين الوضعية كما هو حال الاحتلال الإسرائيلي وجرائم حربه.
ثانيًا: تصوير الزحف الغربي الاستعماري الامبريالي بقواعده العسكرية وجحافله على المنطقة على أنه لتخليص المنطقة من الإرهاب ولـ"حماية" الحريات وحقوق الإنسان، في حين يتم تصوير التدخل العسكري الروسي لضرب بؤر الإرهاب وتنظيماته في سوريا على أنه احتلال واستهداف للمدنيين ولما يسمى المعارضة و"المعارضة المعتدلة" التي تولى معشر المتآمرين على سوريا تدريبها على القتل والعنف والإرهاب ضد الدولة السورية وشعبها وجيشها. ولكن بمقارنة الأشياء بأضدادها، يتضح الفارق بين الأدوار التي يلعبها معسكر التآمر والعدوان بتحالفه الستيني الذي تحت مظلته العسكرية ترعرع الإرهاب في سوريا والعراق، وتوحش بما فيه الإرهاب القاعدي بذراعيه "داعش والنصرة"، حيث دلَّت المظلات التي تنزل بالسلاح والمؤن للعصابات الإرهابية وبخاصة "داعش" من قبل طائرات التحالف الستيني ورسم خطوط تحرك التنظيم الإرهابي وتزويده بالإحداثيات، على العلاقة العضوية القائمة بين معسكر التآمر والعدوان والإرهاب وعصاباته، وأن "داعش" لم يكن سوى ذريعة لعودة الاستعمار الغربي قديمه وجديده، وهو ما كشفته الضربات الروسية الدقيقة والموجعة الموجهة للعصابات الإرهابية بدليل ارتفاع النباح والنحيب، مبرزة الفرق الزمني والفاعلية والمصداقية بين تحالف من ستين دولة مضى على تشكيله أكثر من عام، يغطي سماء العراق بموافقة من حكومته، ويمارس نشاطه في سوريا بدون موافقة حكومتها منتهكًا سيادتها، وبين تدخل روسي شرعي وفق القانون الدولي وبطلب من الحكومة الشرعية السورية، أعطى مفاعيله على الأرض في غضون حوالي ثنتين وسبعين ساعة ؛ ولذلك كانت شدة العويل دليلًا على الانكشاف والافتضاح. إذًا، هناك فرق بين من جاء ليستعمر ويبتز ويتخذ من محاربة الإرهاب الذي أنتجه بتعاون مع عملائه ذريعة له، ومن جاء لينقذ ويحافظ على ما بناه من علاقات مصالح قائمة الاحترام وتبادل المصالح.
ثالثًا: أن يقيم النابحون الدنيا ولا يقعدوها من استهداف سلاح الجو الروسي للتنظيمات الإرهابية المراهن عليها لتدمير سوريا ويعدون احتلالًا ويستنكرونه، وتأكل القطة ألسنتهم فلا ينبسون ببنت شفة، ويدسون رؤوسهم في الرمال مما فعله الناتو بليبيا وشعبها، وما فعله ـ من قبل ـ الغزو الأنجلو ـ أميركي بالعراق وما تسبب فيه من كوارث ومآسٍ وفتن، وما أدت إليه العقوبات الأميركية الظالمة بالشعب العراقي، وما قادت إليه المؤامرة الصهيو ـ غربية من تقسيم السودان، وضد أفغانستان، وما شهده أمس الأول ـ على سبيل المثال ـ من عدوان أميركي على مستشفى تابع لمنظمة أطباء بلا حدود في مدينة قندوز الأفغانية، حيث استمر القصف العدواني على المستشفى ـ حسب المنظمة ـ "لأكثر من ثلاثين دقيقة"، راح ضحيته ستة عشر قتيلًا وسبعة وثلاثون مصابًا بجروح بالغة، وغيرها من الهجمات التي تطول المستشفيات والمدارس والأعراس وبيوت العزاء في بلاد العرب والمسلمين التي يسقط فيها ضحايا بالعشرات والمئات.
لا ندافع عن التدخل الروسي، بقدر ما يجب أن ينظر إلى طبيعة التدخلات من زواياها وأبعادها بصورة منطقية وموضوعية، وبين ما هو شرعي وقانوني وبين ما هو مخالف لذلك وللقيم والمبادئ والأعراف والأخلاق، وبين من يضمر بين جوانحه الشر والتآمر والخراب والدمار، ويتاجر بالدماء وحقوق الإنسان العربي والمسلم، ويتحالف مع أبشع احتلال تعرفه المنطقة وهو الاحتلال الصهيوني، ويبتز شعوب المنطقة وينهب ثرواتها، وبين من هو عكس ذلك.
إن تلك المفارقات الصارخة، لا تبين المدى الذي وصل إليه العتَه في التفكير ومدى الخنوع والاستسلام من قبل بعض المغيبين والمعزولين عن الواقع فحسب، وإنما تبين مدى التكامل بين الأسياد والانباع الناعقة والإرهاب وعصاباته، وأنهم جميعًا يخدمون مشروعًا صهيو ـ غربيًّا لصالح كيان الاحتلال الإسرائيلي، ومشروع الهيمنة على المنطقة والمسمى "الشرق الأوسط الكبير".