الكتابة على الماء هي ضرب من الخيال، وسلوك لا يقدم عليه إلا من يتعمد الانفراد بنفسه على مجرى متدفق من المياه، هروبا من واقع مرير، فينكب على سطح الماء المنساب ليكتب ما يجيش بخاطره وهو على قناعة تامة بأن لا أحد بمقدوره قراءة ما يسطره حتى هو نفسه لأن الماء الجارف حتما سيزيل ما كتب دون أن يعيره أي اهتمام.
هكذا وللأسف هو حال الشعب الفلسطيني المغلوب على أمره اليوم، خصوصا عندما انبرى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أمس الأول مطالباً الأمين العام للأمم المـتحدة بان كي مون بسرعة توفير (حماية دولية) للشعب الفلسطيني، عقب تصعيد اسرائيل لوتيرة القمع ضدهم واصرارها على التقتيل والتنكيل بهم جسديا ونفسيا وعدم التورع في اهانتهم يوماً بعد يوم واغلاق مقدساتهم امام أعينهم وغصباً عنهم وعن العرب .
ان طلب الحماية الدولية لن يغدو أن يكون أكثر من محاولة الكتابة على الماء، باعتبار ان بان كي مون الذي تمت الاستعانة به لتحقيق ذلك الأمل ليس بمقدوره تحويل (الحلم) إلى واقع، فهو كما اثبتت سابقات الأيام وكغيره من أمناء المنظمة الدولية، عاجز عن تمرير مجرد قرار إدانة ضد اسرائيل، ناهيك عن تمرير قرار تطبيق حماية الفلسطينيين من بطشها.
وذلك باعتبار ان اتخاذ قرار الحماية لا يأتي وحسب التسلسل المنطقي إلا بعد اقتناع مجلس الأمن بأن الفلسطينيين يتعرضون إلى بطش فعلي ومن يبطش بهم هي اسرائيل، ولذا لزم حمايتهم منها ... فترى هل ذلك ممكن في ظل (التركيبة الحالية) لمجلس الأمن التي يعيقها الفيتو الذي يتمتع به الخمسة الكبار؟
كما يعتبر الطلب الفلسطيني وكأنه مكتوب على الماء سواء كان شفاهة عبر اتصال هاتفي أو عرض حالا مكتوباً، باعتبار ماطرأ على ساحة الصراع العربي الإسرائيلي من ـ تغير أو تغيير بفعل فاعل ـ وذلك في وقت تمكنت فيه الآلة الإعلامية الغربية من تغيير مفاهيم المناصرين للقضية الفلسطينية في أوروبا وأميركا التي انكوت بأحداث سبتمبر المؤسفة، بل من تغيير مفاهيم قطاعات أوسع في الشارع العربي، فأصابت مناصري القضية (بلوثة مفاهيمية) معقدة.
وبسبب تلك اللوثة أصبح التعاطي الإسرائيلي مع الفلسطينيين، يعني لدى الكثيرين ممن يرجى منهم دعم اي مشروع قرار بحماية الفلسطينيين، يعني لهم ذلك السلوك الاسرائيلي اما انه حالة من حالات مكافحة (الارهاب)، أو انه (دفاع) عن النفس، خصوصا وان اسرائيل ماضية قدما في تحويل القضية الفلسطينية من سياسية إلى دينية، مستفيدة من مناخات تصنيف الغرب لأي دفاع عربي عن المقدسات بأنه سلوك (ارهابي) بالدرجة الأولى.
وبهذا، ورغم العجز العربي الواضح عن الإقدام على اي خطوة داعمة لطلب الفلسطينيين بحماية دولية تضمن لهم حقهم في الحياة ذلك الحق الذي كما يبدو مهدداً، الا ان العرب ما زالوا يشكلون (قوة كامنة) اذا أرادوا أن ينفضوا الغبار عن أهميتهم الاستراتيجية لكافة الدول الأساسية المكونة لمجلس الأمن والمناط بها التأثير في اتخاذ أي قرار حماية من عدمه، فهل بمقدورهم كأمة عربية تجميد الماء لتبدو كتابة الفلسطينيين لطلب الحماية مقروءة للجميع؟

طارق أشقر
كاتب صحفي سوداني