في الوقت الذي تقوم فيه سياسات الدول الغربية ـ والأميركية على وجه الخصوص ـ وتلك التابعة أو الحليفة لها في المنطقة بإنتاج الإرهاب المنظم والترويج لعصاباته، وتحضير الإرهابيين والتكفيريين والمرتزقة تحت الطلب وحسب الحاجة التي تتطلبها الأجندة والمشاريع لتلك السياسات، يتقدم الإرهاب الإسرائيلي المقابل له في فلسطين المحتلة خطوات، لتبدو رقعة المنطقة أنها معدة لتحرك الإرهاب داخل فلسطين وخارجها بصورة متوازية، لكنها في نهاية المطاف تصب في خدمة المشروع الصهيو ـ غربي.
لقد باتت هذه السياسات وتلك التابعة لها حركتها مكشوفة عبر مساراتها وسياقاتها وأهدافها المعلن منها وغير المعلن، حيث لا تزال حقائبها تلعب دورًا خطيرًا يفوق قدرة المنطقة، مشكِّلة سابقة في الدبلوماسية، وخطرًا ـ بسياساتها ـ على دول العالم كافة ومن دون استثناء.‏
ولذلك، لم يكن الاعتراف بخطر الإرهاب تارة، والحديث عن الحلول السياسية للأزمات المطروحة تارة أخرى، إلا وفق ما يقتضيه واقع حال تلك السياسات من مراوغات وانعطافات يعطيها القدرة على المناورة. ولعل التلاقي بين الأدوات التابعة في المنطقة التي تطوعت لتكون في الصف الإسرائيلي، وناطقة باسم تمنياته وليس فقط إملاءاته وشروطه وأوامره، يؤكد مدى العلاقة العضوية والحميمية بين الإرهاب الإسرائيلي ونظيره في المنطقة والتي نجحت تلك السياسات في تربيطهما وتشبيكهما.
إن هذا القدر الثابت من اليقين، بدت ترجمته الحقيقية ليس في سوريا والعراق ولبنان وليبيا فحسب، وإنما في فلسطين المحتلة، بل إن الإرهاب الإسرائيلي انطلق بأقصى سرعته ويكاد يسبق في الحصاد نظيره وشقيقه خارج فلسطين.
إذن ليس من قبيل المصادفة أو نتيجة صدمة تطور الأوضاع في الضفة الغربية والقدس المحتلة أن يأمر مجرم الحرب بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال جيش الاحتلال والمستوطنين الإرهابيين لتصعيد ممارساتهم وجرائمهم الإرهابية بحق الشباب الفلسطيني المقاوم، ليخرج مبررًا هذه الدعوة الإرهابية والإجرامية بكذب محض بأن كيان الاحتلال الإسرائيلي يخوض "معركة حتى الموت" ضد ما أسماه "الإرهاب" الفلسطيني، مؤكدًا أنه أعطى تعليماته لتصعيد إرهاب الجيش والمستوطنين ضد الفلسطينيين، في الوقت الذي يواصل فيه المستوطنون الإرهابيون وبحراسة جيش الاحتلال وشرطته تدنيس المسجد الأقصى وانتهاك حرماته. حيث كان من نتيجة هذه الأوامر النتنياهوية بتصعيد الإرهاب ضد الشعب الفلسطيني ـ المنتفض للدفاع عن كرامته وعن المسجد الأقصى ـ اغتيال فتى في الثامنة عشرة من عمره.
إن ما يفعله كيان الاحتلال الإسرائيلي في ظل مستجدات المنطقة، سواء بتشبيك العلاقة بين الإرهاب الإسرائيلي في فلسطين المحتلة وشقيقه خارجها، أو بالعلاقات مع كيان الاحتلال التي بدت تطفو على سطح الأحداث المحملة بدفق مشاعر الحميمية والغزل والثناء لنتنياهو أحد أقطاب جرائم الحرب والإبادة في فلسطين والمنطقة، يعطي صورة جازمة وقاطعة بأن ما يجري كانت غايته في نهاية المطاف الوصول إلى تصفية القضية الفلسطينية بصفقة نهائية، وما استهداف الدول العربية التي شكلت رأس حربة في مقارعة "إسرائيل" ومناصرة الشعب الفلسطيني وقضيته كسوريا والعراق وغيرها إلا أهم أهداف هذه التصفية.
صحيح أن كيان الاحتلال الإسرائيلي يسعى إلى استكمال ما فشل الاستعمار البريطاني في تحقيقه، من تقسيم للمسجد الأقصى، بدأته سلطات الاحتلال البريطاني بالسماح للمتطرفين من المستوطنين اليهود باتخاذ حائط البراق ـ الذي يشكل الجزء الجنوبي من السور الغربي للمسجد الأقصى ـ مكانًا للعبادة سمَّوه (حائط المبكى)، لكن إذا كان المشروع البريطاني توقف بسبب ما عرف حينها بثورة البراق، فإن السير في هذا المخطط سيفشله الشعب الفلسطيني المرابط المتسلح بالعزيمة والشكيمة والمتمسك بقضيته وهويته.
ومن الحماقة بمكان أن يراهن كيان الاحتلال الإسرائيلي على ما بناه من تحالفات مع تنظيمات إرهابية متشحة برداء الإسلام وبأنظمة رجعية، أو على المواقف العربية والإسلامية السلبية كتلك التي كانت عام 1969 عندما أحرق المسجد الأقصى. فلا تزال الثقة كبيرة بالشعب الفلسطيني، وإن خذلته الظروف والمتأسلمون وتجار الحروب وسماسرة الغرب.