[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
حين ذهب وليام كار إلى عنونة كتابه "اليهود وراء كل جريمة"، لم يذهب إليه من فراغ، وإنما بناء على معطيات وشواهد تاريخية تؤكد طبيعة الدور لليهود والصهيونية العالمية في رسم معالم الخريطة السياسية والاقتصادية والجغرافية للعالم، بما يحقق السطوة والهيمنة لهم على مقدرات هذا العالم، وقد ازداد هذا الدور واتسع خاصة بعد اغتصاب فلسطين وإقامة كيان احتلالي عنصري غاصب على أنقاضها. فوليام كار هو باحث أميركي وأستاذ جامعي اختص بالعلوم التوراتية وبالآثار القديمة، وقد قضى فترة بفلسطين المحتلة ودرس بالجامعة "العبرية" في القدس المحتلة، ويجيد كلًّا من اللغتين العربية والعبرية وزار العديد من بلدان الشرق الأوسط، وحين رجع إلى الولايات المتحدة ألف كتابه "سرقة أمة" في عام 1952م والذي ساق فيه أدلة علمية تدحض المزاعم الصهيونية وتعريها.
ووفقًا لهذا الثابت التاريخي، فإن من يشاهد ما حدث ويحدث اليوم من مؤامرات وحروب واعتداءات في مختلف جهات الأرض الأربع لا بد له من أن يشم الرائحة النتنة للمؤامرة اليهودية والصهيونية وإن كانت أداة التنفيذ من غير جنسها، لكنها بحكم العمالة والتبعية، والتي تعبر (أي أداة التنفيذ) في جوهر حقيقتها عن مدى النجاح الذي حققته الصهيونية العالمية في إيجاد قطيع، بل قطعان في هذا العالم تسوقها إلى معترك مؤامراتها، ومدى نجاحها في السيطرة عليها في الفكر والسلوك والعقيدة، كنتيجة مباشرة لعناصر القوة المتمثلة في التحكم بالاقتصاد والتغلغل في دهاليز صنع القرار في الدول المحورية والكبرى. بما يمكن لها الهيمنة على العالم تكون قلبه النابض المستعمرة الكبرى في التاريخ الحديث المسماة "إسرائيل".
في مراحل التاريخ شكل الاتحاد السوفيتي عائقًا أمام أحلام الهيمنة الصهيونية بحكم التنافس على المصالح وتأمينها وتمكين النفوذ، ورأت فيه القوى الاستعمارية وفي مقدمتها الصهيونية خطرًا حقيقيًّا يتهدد بقاء المستعمرة الكبرى المسماة "إسرائيل"، وذلك من خلال الدعم غير المحدود الذي قدمه الاتحاد السوفيتي للقوميين العرب المتمثلين في محور (مصر وسوريا والعراق) في مواجهة الاحتلال الصهيوني ونصرة الشعب الفلسطيني، حيث لعب السلاح السوفيتي دورًا بارزًا في حسم الحرب عام 1973م، كما لعب دورًا بارزًا في الحرب العراقية ـ الإيرانية، فما كان من غريمه الولايات المتحدة مدفوعًا باللوبي الصهيوني إلا البحث عن كمين يعاقب به الاتحاد السوفيتي وبه يتم استنزافه، حيث تم استدراجه إلى فخ أفغانستان وبدء الولايات المتحدة بعملائها وأتباعها وحلفائها بتشجيع ما سمي آنذاك "الجهاد" وتجنيد من سموا "الجهاديين" بالسلاح، وبالتالي إنهاك الاتحاد السوفيتي وخروجه من أفغانستان لتتوالى عليه الأزمات الاقتصادية ومن ثم تفكيكه على يد ميخائيل جورباتشوف. ومنذ عام 1991م لم تتوقف الأحادية القطبية المتحالفة مع الصهيونية العالمية عن محاصرة القوى الصاعدة، سواء تلك المشكِّلة للاتحاد السوفيتي كروسيا، أو تلك التي المحسوبة عليه.
اليوم تحاول روسيا الوريثة للاتحاد السوفيتي والرافضة للأحادية القطبية بناء نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب من خلال علاقات مصالح متبادلة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام سيادة القانون الدولي، حيث استطاعت بناء علاقات قوية مع القوى الاقتصادية الصاعدة والتي تعرف بدول البريكس، وارتبطت بعلاقات صداقة وتحالف وأمن قومي مع عدد من الدول العربية والإقليمية، حيث بدت ملامح ارتباط المصالح وقضايا الأمن القومي واضحة من خلال علاقة روسيا ـ بوتين مع سوريا واحترام موسكو لعلاقاتها مع دمشق برفض التدخل في الشؤون الداخلية لسوريا واحترام عقود السلاح المبرمة بينهما واستخدام حق النقض في مجلس الأمن الدولي ضد مشاريع قرارات تمهد لشن عدوان غاشم على سوريا على غرار ما حصل في ليبيا. وكذلك بدء عودة العلاقات التاريخية السابقة بين مصر وروسيا (وريثة الاتحاد السوفيتي) والترحيب الروسي بزيارة المشير عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع المصري والتمهيد لعقود تسلح تشمل منظومات دفاع جوي. إلا أن احترام روسيا للقانون الدولي ورفضها زعزعة استقرار الدول وتدميرها، وبناء علاقات مصالح متبادلة مع مصر، لم يعجب المتآمرين والمرجفين في الأرض التي يقودها كيان الاحتلال الصهيوني، فكان العقاب هو محاولة إيجاد أفغانستان جديدة تستنزف بها روسيا اقتصاديًّا وعسكريًّا، حيث وقع الاختيار على أوكرانيا الفناء الروسي وفي عقر دار الروس لإشغالهم وإنهاكهم لمساومتهم حول الملفات الكبرى ومنها ملف الأزمة السورية والملف النووي الإيراني. وحين قال وليام كار "اليهود وراء كل جريمة" كان صائبًا، فمن يحرِّض ويقود الإرهاب والفوضى داخل أوكرانيا ويزعزع أمنها هم حفنة من اليهود في مقدمتهم الصهيوني برنار ليفي مهندس تدمير ليبيا أو مهندس كذبة "الربيع العربي"، وذلك بهدف تركيب "فوضى" مخملية إرهابية، أي مزيج من الفوضى التي شهدتها سابقًا أوكرانيا وجورجيا والتي سميت "بالثورة البرتقالية والخضراء"، والإرهاب الذي بنيت به كذبة "الربيع العربي" ونقلها إلى الأراضي الروسية. وليس مستبعدًا أن يقوم الداعمون للإرهاب بتجنيد الإرهابيين والتكفيريين والمرتزقة وإرسالهم إلى أوكرانيا تحت شعارات كثيرة، مثلما فعلوا من قبل في أفغانستان والآن في سوريا.
وما يلفت الانتباه هنا، هو أن الاتحاد السوفيتي عوقب بسبب دعمه للقضايا العربية واحترامه علاقاته خاصة مع مصر وسوريا والعراق، واليوم يتم معاقبة روسيا بذات السبب، حيث يتطلع المصريون إلى تطوير أمنهم وحماية أجوائهم المستباحة "إسرائيليًّا" بالاستعانة بالسلاح الروسي المتطور، بدلًا من السلاح الأميركي الأشبه بالخردة، من حيث ضعف الفعالية، وشروط الاستخدام المضمنة للعقود المبرمة، ورغبة العراقيين إعادة علاقاتهم التاريخية مع روسيا، وحماية ترابهم وصيانة أمنهم بالسلاح الروسي بدلًا من السلاح الأميركي أيضًا الأشبه بالخردة والمكبل بالشروط والاتفاقية الأمنية.
وعلى الرغم من أن المحرضين والداعمين للفوضى المثارة في أوكرانيا والفوضى والإرهاب في الدول المصابة بداء كذبة "الربيع العربي"، فإنهم مثلما غرسوا في فكر أدواتهم من الإرهابيين والتكفيريين والمرتزقة أوهام "الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان" يمارسون الفعل ذاته تجاه أدواتهم من المتطرفين الفوضويين والمرتزقة في أوكرانيا بأن بطونهم ستمتلئ بالكنتاكي والبيرجر والماكدونالدز، ومؤخراتهم ستتدثر بالجينز ومختلف السراويل. ورغم اليقين بأن روسيا ـ بوتين متيقنة لما يطبخ لها من مؤامرات وبدأت تحمرُّ عينها تجاه المتآمرين عليها، إلا أن النهاية ستكون مأساوية وواحدة لأولئك المستأجَرين، ففي أوكرانيا عليهم أن يستعدوا لشروط البنك الدولي برفع نسبة الدعم للغاز، وخفض الرواتب، وغيرها من الشروط التي لا تُحتَمل، وانقطاع الدعم الروسي للاقتصاد الأوكراني، وبدء كل من بكين وموسكو مطالبة كييف بالديون المستحقة عليها والمقدرة بالمليارات. أما المستأجرون لتخريب الدول العربية فنهايتهم هي إما السحق والقتل وإما العار والذل والانكسار.