[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/samyhamed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سامي حامد[/author]
في الثلاثين من سبتمبر الماضي رفع الرئيس الفلسطيني محمود عباس "أبو مازن" لأول مرة علم فلسطين أمام مقر الأمم المتحدة .. وفي نفس اليوم أعلن عباس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها السبعين انسحاب السلطة الوطنية الفلسطينية من اتفاق أوسلو، ردا على تقاعس إسرائيل عن الوفاء بتعهداتها إزاء الخطة الانتقالية الرامية إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي.
ومن المعروف أن اتفاق أوسلو كان الهدف منه تحديد مرحلة انتقالية مدتها خمس سنوات تمهيدا للوصول إلى إقامة الدولة الفلسطينية، ورغم مرور 22 عاما على توقيعه، إلا أن إسرائيل لم تلتزم به طوال تلك السنوات، بل تمادت في محو الهوية الفلسطينية من خلال الاستمرار في بناء المستوطنات وتهويد مدينة القدس.
واتفاق أوسلو معروف رسميا باسم إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي، وهو اتفاق سلام وقعته إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن العام 1993 في حضور الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، وسمي الاتفاق نسبة إلى مدينة أوسلو عاصمة النرويج التي شهدت محادثات سرية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي العام 1991 والتي أفرزت هذا الاتفاق .. وتعتبر اتفاقية أوسلو أول اتفاقية رسمية مباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين، ورغم أن التفاوض بشأن الاتفاق تم في أوسلو، إلا أنه جرى التوقيع عليه في واشنطن.
وفي الواقع يمكن القول إن اتفاق أوسلو قد مات إكلينيكيا منذ التوقيع عليه، حيث لم يكن من المتوقع أن يخرج اتفاق فلسطيني ـ إسرائيلي على الحكم الذاتي أقل سوءا من هذا الاتفاق الذي جرى عبر مفاوضات سرية في أوسلو .. فمن يقرأ خطابات الدعوة إلى مؤتمر مدريد وما تم تحديده من أسس للمفاوضات الثنائية المباشرة كان أمامه أحد احتمالين: إما الدوران في مفاوضات طويلة الأمد، وإما اتفاق في السوء الذي جاء عليه هذا الاتفاق.. ومن تابع التصريحات الأميركية والإسرائيلية في واشنطن وقتئذ، كان عليه أن يتوقع اتفاقا على الحكم الذاتي بالمواصفات التي اتفق عليها في أوسلو لسببين الأول أن كلا من إسرائيل وأميركا وروسيا وعدد من الدول الأوروبية لجأوا لصنع تسوية على أساس الشروط الإسرائيلية وإلا فلا تسوية .. والسبب الثاني لقد أظهرت الحكومات العربية ومعها قيادة منظمة التحرير الفلسطينية تأكيدا يقر به الجميع دون استثناء، ما يعني أن هناك عاملين أخرجا هذا الاتفاق .. الأول إصرار إسرائيلي ودولي على صياغة اتفاق على الحكم الذاتي الفلسطيني وفقا للشروط الإسرائيلية بالكامل، والثاني قبول تدريجي بتلك الشروط.
ويمكن أن نلخص اتفاق أوسلو بالآتي: بقاء الاحتلال الإسرائيلي والسيادة الإسرائيلية على فلسطين كلها بما في ذلك قطاع غزة وأريحا .. أما الانسحاب من غزة وأريحا، وإقامة نوع من الحكم الذاتي الفلسطيني، فهو مجرد انسحاب لجيش الاحتلال الإسرائيلي من المناطق الآهلة بالسكان حيث المقاومة الفلسطينية، وتسليم الأمن فيها للشرطة الفلسطينية، وبهذا يتجنب الاحتلال الاصطدام بالفلسطينيين مع بقائه مسيطرا على الوضع تماما، وممسكا بكل النقاط الاستراتيجية على طول الحدود، وقد أعطى جيش الاحتلال الإسرائيلي لنفسه حق العودة إلى احتلال أي منطقة سكانية تحت الحكم الذاتي إذا فشلت الشرطة الفلسطينية في المحافظة على أمن الاحتلال الإسرائيلي فيها.. أما تسليم إدارة الحكم الذاتي الفلسطيني شؤون التعليم والصحة والبلديات والسياحة، فهو إعفاء للاحتلال من الإنفاق على تلك القطاعات.
وأخيرا، إن الذين وقعوا على هذا الاتفاق أو أيدوه لم يستطيعوا تقديم نقطة واحدة يعتبرون فيها أن هذا الاتفاق يتضمن زوال الاحتلال نهائيا أو حتى تدريجيا ولو على شبر واحد من الأرض الفلسطينية أو السيادة على المناطق التي ينسحب منها جيش الاحتلال الإسرائيلي أو وضع المستوطنات التي أقيمت في الضفة الغربية وقطاع غزة والتي صارت أمرا واقعا مسلما به وتحت سيطرة السلطة الإسرائيلية .. والأهم من كل ذلك أن اتفاق أوسلو الذي أعلنت السلطة الفلسطينية الانسحاب منه بعد 22 عاما أغفل الاتفاق على قضايا في غاية الأهمية مثل مصير القدس وقضايا العودة، حيث تم الاتفاق على تأجيل بحث تلك القضايا لمرحلة لاحقة لم تأتِ بعد ولن تأتي!!