[author image="http://alwatan.com/styles/images/opinion/abdalahabdelrazak.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. عبدالله عبدالرزاق باحجاج [/author]
منذ أن تلقيت دعوة من مركز الخليج للأبحاث لحضور مؤتمر علمي حمل عنوان،، الاتحاد الخليجي .. آفاق المستقبل،، عقد يوم الاربعاء الماضي في القاهرة، تبادر إلى الذهن منذ الوهلة الأولى، مجموعة تساؤلات مهمة، أبرزها، لماذا القاهرة تحتضن هذا المؤتمر الخليجي وليس إحدى الدول الخليجية؟ وهل سيبحت المؤتمر فرص تطوير مجلس التعاون الخليجي في ظل الرفض العماني والتأييد السعودي والبحريني والصمت الإماراتي والقطري والكويتي أم سيسوق لتطور من العيار الثقيل يتجاوز الرافضين والصامتين ويذهب فقط بالموافقين إلى الاتحاد ربما بأطراف عربية غير خليجية؟ ولو حدث ذلك، هل يمكن أن يكون هناك اتحاد مستقر دون السلطنة على اعتبار أن السلطنة سوف تكون بمثابة عامل التوازن اقليميا، والا، فإنه على الخليج التفكير من الآن في تداعيات الاتحاد سواء كان بثلاث أو خمس دول.
تلكم كانت هواجس لازمتنا طوال رحلتنا إلى القاهرة، وطوال اربع جلسات عمل، وما يحسب لصالح المنظمين لهذا المؤتمر اختيار شخصيات خليجية ومصرية اكاديمية وفكرية معروفة بالشفافية والجرأة في الطرح لتقديم أوراق عمل أو للمشاركة فيه، فكان المؤتمر استثنائيا في كل شيء رغم أننا لم نتوصل لإجابات صريحة لبعض تلك التساؤلات، لكننا تمكنا من خلال قيامنا بعملية ربط وتحليل المعلومات والمعطيات والتسريبات طوال الأربع الجلسات بما فيها افتتاحية المؤتمر التي لم تكن برتوكوليه كغيرها من المؤتمرات والندوات، تمكنا من تحديد ملامح المرحلة الخليجية المقبلة التي اريد تسويقها من خلال المؤتمر وفي القاهرة بالذات، لعل ابرزها، أن الجهود تتجه نحو اقامة الاتحاد من ثلاث دول، وقد تكون الدولة الثالثة غير خليجية، وقد كشف في المؤتمر عن اسمه المقترح، وهو الاتحاد الخليجي للدول العربية، وهذا الاسم مثير في حد ذاته، وله ابعاد ودلالات كثيرة وعميقة جدا، مثلا، أن الاتحاد سيكون مفتوحا للدول العربية في الخليج وغير الخليج، وقد برز في المؤتمر اسم مصر بقوة وفق حسابات سياسية وأمنية خليجية، واقتصادية مصرية، وقوة رأينا هنا يدعمه اسم الاتحاد المقترح، وتدعمه المناورات العسكرية التي اجريت مع دولة خليجية بصورة متزامنة مع انعقاد المؤتمر، ويظهر لنا المشهد هنا، أن القاهرة يتم تقديمها الآن بمثابة القوة التي سوف تخلق التوازن للأمن في الخليج في ظل استفراد طهران بالقوة وفي ظل التراجع الاميركي في المنطقة، وفي ظل انها القوة العسكرية العربية الوحيدة التي لم تفكك بفعل ما يسمى بالربيع العربي وبفعل التآمر الغربي والصهيوني، واسم الاتحاد السالف الذكر، والعامل المصري، يعنيان لنا اسقاط خيار الترتيبات الأمنية بين الدول الواقعة في الخليج العربية وغير العربية، لكن متى سيتم انضمام القاهرة إلى الاتحاد؟ هل في مرحلة الكونفيدرالية التي ستكون كمرحلة انتقالية للفيدرالية كما كشفت عنها ورقة بحرينية قدمها مسئول رفيع جدا، أم في مرحلة الفيدرالية ؟ قوة استنتاجنا هنا تذهب إلى أن الاتحاد سوف يقام بدولتين تؤيدان حاليا بقوة انتقال مجلس التعاون إلى الاتحاد على ان تنضم إليهما القاهرة في المرحلة الراهنة على أن يترك الباب مفتوحا لبقية دول مجلس التعاون للانضمام، وفي هذا السيناريو، ينبغي أن نفتح مجموعة اقواس للتأمل فيها، الأول: ان جغرافيتنا الخليجية حساسة جدا، ومعدية جدا، وحساسيتها وعدواها ليس بالجديدين وإنما لهما امتداد تاريخي، وبالتالي، لن تقبل الجغرافيا الخليجية بسهولة بأية مساس بها، وهذا يتطلب التفكير بالتداعيات الإقليمية لمثل هذا الاتحاد، والثاني: أن انفتاح الاتحاد الخليجي عربيا من خارج الخليج ينبغي أن لا يسقط مسار التفاهمات والترتيبات الأمنية مع طهران تحديدا، والا، فإن هذا الاتحاد بمنظوره السالف الذكر سيفسر،، ايرانيا،، بأنه موجه ضدها، عندها سندخل في متون تطور الصراع والتوتر القديم الجديد، والثالث، أن اي اتحاد لن تكون السلطنة فيه، لن يضمن الاستقرار والأمن في المنطقة، فالسلطنة بحكم علاقاتها مع كل دول المنطقة، وايران تحديدا، وبحكم جيو موقعها الجغرافي، تشكل لوحدها ـ إن انضمت للاتحاد ـ الضمانة لمرحلة جديدة في المنطقة، هى اي المنطقة في أمس الحاجة لها الان بعد التقارب الاميركي الايراني، واندفاع كل الدول وشركاتها الكبرى نحو طهران حتى قبل رفع العقوبات الدولية والغربية عنه، املا منها في أن يكون لها نصيب في السوق الإيرانية الواعدة، فلماذا لا يفتح الخليج الحوار مع ايران؟ وذلك من أجل بناء ثقة جديدة تحتمها المرحلة الراهنة التي يزعجها كثيرا التنظيمات الفكرية الارهابية التي اصبحت تنتقل عبر الحدود، وقد وصلت إلى قرب الحدود الخليجية، هذا غير خلاياها النائمة في عدد من الدول الست.
كما كشف في المؤتمر عن توجه تطوير قوة درع الجزيرة من (40) الفا إلى (100) الف جندي، معظمه من السعودية، وماذا يعني؟ يعني عودة لمقترح عاهل البلاد ـ حفظه الله ـ الذي اقترح منذ نحو أكثر من عقد، تشكيل جيش خليجي بنفس العدد، فهل كان على الخليج أن ينتظر كل هذه السنوات حتى يرى في المقترح العماني الصدقية والمصداقية والضرورات السياسية والأمنية والعسكرية للدول الست كلها؟ وبلادنا اقل حاجة لهذا الجيش مقارنة بالدول الأخرى، لأنها لا تؤمن بالقوة العسكرية لوحدها وإنما تزامن وتناغم مع قوة العلاقات الممتازة مع الدول، ربما لو أخذ بهذا المقترح لتجنب الخليج الكثير من الأزمات السياسية والعسكرية السابقة، وكذلك لما بحث الخليج عن قوة توازن من خارج المنطقة، وربما لو كان كذلك، لما اهتز الخليج من التراجع الاميركي في المنطقة، وربما .. وربما .. فلماذا لا نزال نبحث عن قوة التوازن الآن من الخارج كباكستان مثلا؟ وحتى الشقيقة العربية،، مصر،، فترحيبنا بمصر ينبغي ان يكون ضمن رؤية خليجية عربية بعيدة المدى، ولا يسقط خيار التفاهمات الأمنية مع طهران ابدا، بل إن التفاهمات تدعم الغاية من استدعاء القوة المصرية لضمانة الأمن والاستقرار في الخليج بدلا أن ينظر لها خارج سياقها المقبول لو من قبل فاعل رئيسي واحد، وهو طهران.
وقد بدا لنا من خلال ما توصلنا له في المؤتمر أن الجهود لا تسير نحو البحث في تطوير مجلس التعاون بعد احتدام الخلافات الجوهرية بشأن نقله من التعاون إلى اتحاد، وإنما السير به قدما تحت مظلة القوة المصرية، فهل هذا هو الاتجاه الصحيح الذي يخدم الاستقرار في المنطقة؟ لن نسقط المظلة المصرية من اعتباراتنا لكن ذلك ينبغي أن يكون مستقبلا بعد أن تتضح ملامح المشهد السياسي الداخلي في مصر، وبعد أن يتم تعامل الدول الخليجية المؤيدة للاتحاد ببراجماتية مع المطالب المشروعة للدول الرافضة والصامتة، وتتوصل إلى حلول وسط يمكن ان تنطلق بها جماعة نحو الحفاظ على مستقبل أمنها واستقرارها وتعميق مصالحها الاقتصادية وتحقيق المواطنة الخليجية، وبدلا من اطلاق الاتحاد بثلاث دول وبالاسم الذي قد يستفز طهران القوية، والمصلحة الخليجية تحتم الاستفادة من نتائج قمة الكويت الأخيرة التي قررت اقامة قيادة عسكرية مؤحدة، وهذا يعد تطويرا ايجابيا وطبيعيا وغير مستفز لقوة درع الجزيرة، ورفع عددها إلى مئة الف يمكن قبوله دون استفزاز وفق ذلك السياق، وكذلك تم الاتفاق على الانتربول الخليجي وإقامة اكاديمية خليجية للدراسات العسكرية والأمنية، ومن خلال تلك الاتفاقات يمكن تمرير تطور بنيات وآليات عمل مجلس التعاون الخليجي، فالمرحلة الراهنة لا تتطلب استفزازات جديدة حتى لو كانت مشروعة .. والتاريخ بحديثه وقديمه خير شاهد .. فهل الخليج يدخل الآن في مغامرة جديدة؟ للموضوع تكملة.