[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/tarekashkar.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]طارق أشقر [/author]
ينطلق بالعاصمة السودانية الخرطوم اليوم السبت فعاليات الحوار الوطني الذي دعا له الرئيس السوداني عمر البشير على أمل أن يتمكن السودانيون من تجاوز خلافاتهم حول الثروة والسلطة ومفهوم العدالة والمواطنة، لتتوقف الحرب في دارفور غرب البلاد وجنوب النيل الأزرق بالجنوب الشرقي، ويتفرغ الشعب السوداني بكافة أطيافه لبناء السودان الوطن الواحد، وذلك سدا لثغرات المزيد من التقسيم والتجزئة والفرقة.
ويشارك في الحوار السوداني حسب آلية الحوار الوطني المعروفة باسم (7+7) اثنان وتسعون حزبًا ومجموعة سياسية وبحضور ألف ومئتي شخصية، وعدد من المدعوين والضيوف من الخارج بينهم الأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربي وغيره. بينما أعلن واحد وعشرون من الأحزاب والحركات المنضوية تحت لواء تحالف القوى الوطنية المعارضة وتحالف أحزاب الوحدة الوطنية المعارضة مقاطعتها لجلسات الحوار.
يأتي الحوار السوداني ـ السوداني في ظل ظروف مرحلية صعبة يمر بها السودان خصوصا في ظل اتساع الخلافات بين مختلف قطاعات القوى السياسية السودانية مع اتساع حالة الاستقطاب السياسي داخليا وخارجيا، فيما يتطلع أفراد الشعب السوداني من البسطاء غير العابئين بما يدور في كواليس السياسة، يتطلعون إلى الاستقرار (الاقتصادي) في السودان، على أمل أن ينعكس ذلك على مجريات حياتهم الاجتماعية، فتصبح لقمة العيش سائغة ورخية، وتتسع رقعة الإحساس بالأمن على النفس والولد والمال في كافة أنحاء السودان.
ربما يعتبر المناخ السياسي مواتيًا الآن لاستثمار هذه الفرصة في التداعي من أجل السودان في ظل صدور مرسوم جمهوري بوقف إطلاق النار في مناطق العمليات، ومرسوم جمهوري آخر بالعفو العام عن حملة السلاح والمعارضين، في حين تتوافر ـ وبلا شك ـ النية الوطنية الصادقة داخل كل سوداني بأن يتحقق السلام في ربوع بلاده، وما الخلاف في الرأي وحول الوسيلة والكيفية التي يمكن بها تحقيق ذلك المبتغى إلا دلالة واضحة من دلالات تطلع المواطن السوداني لوطن مستقر تتوافر فيه العدالة الاجتماعية بكل معانيها، وهذا تطلع يتسم به كل سوداني معارضًا كان أو مؤيدًا للحكومة.
وفيما يقع السودان في منطقة لها أهميتها الاستراتيجية سياسيًّا واقتصاديًّا، وفي وقت أدت فيه اتفاقية السلام 2005 في نيفاشا التي نتج عنها لاحقًا انفصال الجنوب وحرمان السودان من أهم موارده الاقتصادية المستخرجة، تتسع الفرص من وقت لآخر لتربص المتربصين بالسودان من الخارج من أجل تقسيمه إلى دويلات عرقية غنية أرضها بالكثير من الموارد المعدنية والزراعية والسياحية، فيتلاشى السودان كدولة قوية موحدة يمكنها أن تلعب دورًا رياديًّا في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء كافة، وهو دور لا تريده القوى الكبرى للسودان لو آمنا بنظرية المؤامرة.
ولقناعة كافة العقلاء والمراقبين بأن نظرية المؤامرة ـ إن صح وجودها ـ فهي لن تجد سبيلا للنجاح، ما لم تتاح لها الفرصة من أبناء البلد عبر اختلافهم على (الثوابت الأساسية). لذلك نأمل أن يعتبر الحوار فرصة للجميع حكومة ومعارضة بأن يقدم كل منهما ما يكفي من تنازلات تؤدي إلى التحام اللحمة من أجل سودان الغد المشرق في ظل ضرورة إيمان الجميع بوجود ثوابت أساسية، ينبغي أن لا يختلف حولها السودانيون أيًّا كانت أهدافهم وقضاياهم وأهمها (وحدة الوطن)، حتى ينعم السودان بالسلام الحقيقي في كل ربوعه، لينطلق بعدها على طريق بناء بلد ديمقراطي جديد يتمتع فيه الجميع بحق المواطنة والمشاركة في البناء بلا استثناء، فالسودان حق لجميع السودانيين مهما اختلفت مشاربهم السياسية.