للمترجم أحمد المعيني دور بارز جدًّا في الحراك الترجمي لدينا في عمان، وهو دورٌ بدأ به مذ كان طالبًا في جامعة السلطان قابوس، فقد كان ممّن أسّس جماعة الترجمة في جامعة السلطان قابوس، وممن ضخّ لها حياة نشطة دائبة تحت إشراف الدكتور عبد الله الحراصي، حتّى أن صار لها ملحق خاص في جريدة عمان. وبعد تخرج المعيني من جامعة السلطان قابوس راح يترجم بدأب عهدناه عنه، فقد صدر له عن دار جداول للنشر والترجمة " الفرس، إيران في العصور القديمة والوسطى والحديثة" (2014)، كما صدر له كتاب مترجَم "براهمة العالم،،، ومنبوذوه" ضمن سلسلة كتاب مجلة نزوى. وفي لحظة كتابتي هذه الأسطر أعرف (من تواصل شخصي معه) أنه يعتكف على مشاريع ترجمية عدّة بعضها سيصدر قريبا.
على أنّي في مقالي القصير هذا سأقف موقفًا نقديًّا لبعض اختياراته الترجميّة في "براهمة العالم،،، ومنبوذوه"؛ فمع أني الترجمة شدّتني بسلاستها ووضوحها ورصانتها وبما توفّره من موادّ ثريّة، إلا أنّ ثمة أمورًا استوقفتني، أهمّها ما يلي: أولا: جرأة المترجم على نحت مصطلحات وفقت منها موقف المعجب بجرأته من جهة وموقف غير القادر على استساغة تلك الجرأة من جهة أخرى، من ذلك: "السؤال الذي يطرح نفسه للمستقبل هو ما إذا كانت "نسونة" الدولة ستقلل من النزعة للعنف"، ويذكر في هامش أن "نسونة" من نحته للتعبير عن feminization ،، هذا النحت مربك لي قارئا، ولم يسعفني سياق الترجمة: هل يريد به المترجم / المؤلف زيادة عدد النساء كأعضاء في الدولة أم إضفاء الطابع النسوي، الصفات التي يرى الخطاب الذكوري أنها تميز المرأة عن الرجل.
"سيتحول وعيه سريعا إلى وعي دولاتي (من الدولة).
"وهكذا "عرقن ] من العرق [ الأوروربيون المفهوم اليهودي للشعب المختار..""
"كان هناك يهود "عصرنوا ] من العصرنة ["
"هل يمكن أن تكون أفريقيا وأميركا اللاتينية تتدمقرط أو في تصريف آخر تتدقرط " حتى إن كان هذان الشكلان شائعين بعض الشيء فإني غير قادر على أن أستسيغ نطقهما لو كنت المترجم للذت بالمألوف من الصيغ العربية، ولكن ربمّا ثمة معان يرى المترجم أنه يخسرها إذا استخدم الصيغ المألوفة..
ثانيا: يقحم المترجم نفسه في متن النص، وهو إقحام إن كان في مواضع يخدم القراءة السلسة فهو في مواضع لا أستحبّه قارئا:
من ذلك "فليس كافيا أن "نجسّم" هذا المسخ ] نصنع له شكلا بشريا"[ ،،، هل القارئ، (فلنقل القارئ صاحب الذكاء المتوسط) بحاجة إلى هذا الكرم من المترجم؟!!. ".... من أجل الحياة الآخرة إلى حفظ الحياة هنا والآن ] في هذه الحياة الدنيا "[وهل " الحياة هنا والآن" تعني حياة أخرى غير الحياة الدنيا؟!
"كي يعمروا العالم الجديد ] قارة أمريكا " قارئ يقرأ كتابا سياسيا كهذا ولا يعرف أن العالم الجديد هو أميركا
ثالثا: أهمّ مصدر إرباك لي هو إضافة "و، ي، والتاء المربوطة على بعض الصفات: فهو يترجم universalism "عالموية" (مع أنه يقول في الهامش "اخترنا العالمية لترجمة مصطلح universalism" إلا أنه تارة يستخدم "العالمية" وتارة "العالموية" في الصفحة نفسها (82 )
ثم يمضي قدما في استخدام "العقلانوية" "المستقبلوية"،، "في التوجهات المستقبلوية والعقلانوية من النظرية السياسية المعيارية ثمة قدر كبير من الحتمية في افتراضاتها تتبدى فيها أصداء قوية للجبرية الدينية" هذه الجملة كلها لا أفهم منها شيئا، وما يزيد من غموضها أني لا أفهم ما يرمي إليه الكاتب/المترجم من "العقلانوية" و"المستقبلوية"، فهذه الصيغة، حسب علمي، تحمل بعدا سلبيا (أذكر أن هاشم صالح يستخدم هذه الصيغة كثيرا في ترجماته لمحمد أركون)،، فحين يقول بعضهم "الحركات الإسلاموية" فهو يعني الحركات التي تدّعي الإسلام،، ولم يكن واضحًا لي إن كان المترجِم يريد شيئا من هذه السلبية!!

ثمة ملاحظات أخرى من قبيل:
"والمكافئ الوظيفي للدولة المطلقة هي الدولة العسكرية (garrison state )، أي الدولة الموجهة إلى الحفاظ على نفسها عسكريّا" لا أدري ما الترجمة الأنسب (garrison state )، ولكن إن كانت "الدولة العسكرية" فلا أرى وظيفة للجملة التوضيحية " أي الدولة الموجهة إلى الحفاظ على نفسها عسكريّا" سوى الحشو؛ فالدولة العسكرية by definition هي التي تحافظ على نفسها عسكريًّا. هذه مجرد ملاحظات، ومن منظور معين،، وربّما لا كبيرَ أهمية لها إذا ما قورنت بأهمية الترجمة، فهي ترجمة سلسة انسيابية وإضافة مهمّة في الحراك الترجمي عندنا،، كل التحية والتقدير للمترجم أحمد المعيني.

د. خالد محمد البلوشي