مسقط ـ العمانية :
بعد مرور أكثر من عقدين على صدور الطبعة الأولى من ديوان "أنشد معي" للشاعر الراحل علي بن شنين الكحالي، تعيد الدكتورة سعيدة بنت خاطر الفارسية العناية بهذا الديوان الذي يعد باكورة الأعمال الشعرية للكحالي وذلك بحسب الإهداء في الطبعة الأولى (إلى أطفالنا فلذات أكبادنا التي تمشي على الأرض، أهدي باكورة أعمالي الشعرية، راجيا من الله أن تُدخل السرور إلى قلوبهم، وأن تعود بالنفع عليهم). يضم الديوان خمسة وأربعين نصاً شعرياً يغلب عليها طابع البساطة في الطرح والأسلوب الشائق في مخاطبة الروح الجمالية في المتلقي الطفل، وفي مقدمة الطبعة الأولى التي صدرت في عام 1991 يشير الكحالي بوعي منه حول هذه التجربة حيث يقول: (ولقد اقتحمت هذا العالم الطفولي الرائع مغرداً لبنيه، مشاركاً لهم، فلست أدري أيقبل ذلك التغريد، وتلك المشاركة أم لا، إذ ليس لي مؤهلات كاتب الأطفال، ولكني اقتحمت هذا المجال كما فعل آخرون قبلي).
ويحدثنا الكحالي عن بداياته في الكتابة للأطفال فيقول:(أما عن بدايات كتابتي للأطفال، فكانت منذ وقتٍ مبكرٍ وأنا في العشرين من عمري، يوم أن كنت في معهد المعلمين، ونشرت لي جريدة عمان حينئذٍ وأصبت حظاً من التشجيع لديهم، مما دفعني إلى الكتابة، واليوم أحاول أن أضم ما نشر وما لم ينشر بين دفتي كتاب، أقدمه لأطفال وأبناء أمتنا العربية، فعسى ولعل أن ينال بعض الحظوة لديهم فهم مقصد الرضا. وقد بلغت الأناشيد والقصائد في هذا الديوان خمسًا وأربعين قصيدة، ويقول المؤلف "سميتُ الديوان "أنشد معي" على أمل أن يصدر ديوان آخر لهم، وهو جاهز وسميته "ينابع الحياة" " ولكن القدر لم يمهله كي يخرج هذا الديوان الذي بقي حبيس الأوراق والمخطوطات التي تركها الشاعر الراحل.
وتشير الدكتورة سعيدة بنت خاطر الفارسية في مقدمة الطبعة الثانية إلى سعيها للحصول على الديوان المخطوط للشاعر الكحالي المعنون ب "ينابيع الحياة" وكيف توصلت إلى ديوان "أنشد معي" عن طريق الدكتور سعيد بن سليمان العيسائي حيث تقول: ( والحقيقة لم أكن أبحث عن هذا الديوان [أنشد معي] بل عن ديوان آخر بعنوان "ينابيع الحياة" الذي أتم كتابته وانتهى من جمعه لكن الموت لم يمهله ليرى النور، وكنت أتمنى الحصول على هذا الديوان المخطوط يدويا بخط الكاتب لكنني ـ للأسف- لم أتمكن من الحصول عليه، وعندما تصفحت الديوان المطبوع (أنشد معي) وجدته يعاني من سوء الطباعة وعدم ملاءمته للطفل من حيث الغلاف والرسومات وشكل الكتاب وشكل الصفحات وبنط الكتابة وحجم الحرف. وخلوه تماما من الألوان الأمر الذي شجعني على أن أقدمه للجمعية العمانية للكتاب والأدباء لإعادة طبعه في ثوب جديد مشوق للطفل العماني، فالكتابة للطفل تحتاج لجماليات وخصائص معينة والأهم أن يتماهى الكاتب مع روح الطفولة ويحمل في داخله براءة تلك الروح وفطرتها ومخيلها الخصب ومحبته لعوالم الطفل). قصائد الديوان محملة بالعديد من القيم والمبادئ، والحكم المذابة في لغة الشعر العذبة المفعمة بالجمال، وتتحدث القصائد عن الرسول والصحابة الكرام وعن الوطن والمدرسة وعلاقة الطالب بكتابه وعن البيئة المحيطة به، كما أن القصائد حملت نفحة من قصص الحيوانات. وعن الوطن نقرأ قصيدة عنوانها "بلادي" حيث يقول:

يا بلادي يــــا بـــلادي أنت كنزي ومرادي
أنتِ عمــــري وحياتي يا أعز الذكريــــاتِ
فيك جسمي قد ترعرع وبخيراتــك أشبـــع
فيكِ صاحبت الشبــابـا وتخيــرت الصحابا
أنت يـا جـــنة حبـــــي أنت يا فرحة قلبي
أنت يا ملعب لهوي أنت يا موطن شدوي
إن أفضالك كثر هي قطر هي بحر
كيف أستطيع السدادا عشت للمجد العمادا
لك روحي فخذيها وحياتي فاقبليها
ليت هذا الفعل يكفي وقليل الشكر يوفي
ببقاء العمر إني هائم فيك أغني
وجزاك الله خيرا فهو يوفي الحق طرا

ومن قصيدة مدرستي نجتزئ المقطع التالي:
يا مدرستي يا مدرستي
قد عدت لنبعك مسرورا
قد جئتكِ والأصحابُ معي
كي نأخذ علمًا منثورا
لا نعرف شرًا يؤذينا
أخلصنا قلبًا وضميرا
كنا في العطلة في شوقٍ
للقائك روحًا وصدورا
ونرى الكحالي في قصيدة "رحلة صيد" ينبه الأطفال إلى أهمية البحر في حياة الإنسان العماني حيث يقول:
علينا السعي يا أولاد
والباقي على الله
فإن الرزق يا أولاد
لا يأتي إلى اللاهي
توكلنا على الرحمن
نبغي الرزق في البحر
وإن البحر للإنسان
مثل الروح في الصدرِ
ركبنا زورقا يجري
سريعا مثل سيارة
وأسماكا لنا تغري
جلبناها بصنارة
فصدنا البدْحَ والهامورْ
وكلب البحر والكنعد
كذاك الصافيَ المشهور
والشعري الذي أقصد
وعدنا نحمل الأرزاق
مسرورين بالكرم
ونشكر ربنا الرزاق
لما أولاه من نعم