[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/tarekashkar.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]طارق أشقر [/author]
جاء القرار الذي اعتمده مجلس الأمن الدولي الجمعة بالسماح للدول الأعضاء بالتصدي للسفن البحرية التي تقل مهاجرين من ليبيا في محاولة الوصول إلى أوروبا، مدهشاً، وصادماً للباحثين عن فرص (الحياة) من المهاجرين، ومرحباً به من جانب الدول الأوروبية.
ورغم ان القرار لا يخلو من ايجابيات في جوهره مثل (مكافحة الاتجار بالبشر) ذلك العنوان الذي يبدو انه كان جاذبا للأغلبية التي صوتت لاعتماده بأربعة عشر صوتا كونه يكافح التهريب والاتجار بالبشر ويسمح باعتراض وتفتيش ومصادرة وتدمير القوارب التي يستخدمها المهربون كمحاولة للحد من التدفق المستمر للمهاجرين ، فرغم تلك الايجابية (المتنحية) إلا ان القرار ينطبق عليه القول العربي " ليس هكذا تورد الإبل ... يامجلس الأمن. ".
فيرى المراقبون في هذا القرار تنطعا أمميا بشأن قضايا المهاجرين نحو أوروبا، كون التكلف والتعمق في معالجة مشاكل أوروبا ذات العضوية المدللة شديد الوضوح،غير انه في الجانب الآخر تعامل مع مشاكل المهاجرين بتنطع أعمق فتجاهل الأسباب وأخذ بالنتائج صارفاً النظر عن جذور المشكلة، فأصبح بذلك كالرجل الذي رمى بحلقه لقمة طعام ليجبر نفسه على عدم الكلام والمشاركة في موضوع لا يستهويه، فهذا هو التنطع في اللغة، غير آبه بنتائج الحوار.
لقد تسارع مجلس الأمن في الاستجابة للتداعي الأوروبي حول ضرورة معالجة قضايا اللجوء، فأرضى المقتدر وتجاهل الضعيف الذي في حاجة ماسة إلى نصرته من ظروفه التي ربما فرضت عليه رغم انه مشارك في ايجادها بشكل أو بآخر، ولكن تلك المشاركة ليست مبرراً كافياً بالابتعاد عنه وتركه وحيداً دون مساعدة في الوصول إلى الحلول.
لو كان ذلك القرار الأممي اتخذته المفوضية الأوروبية وألزمت به اعضاءها، لكن الأمر (مبلوعاً) باعتبار ان كل دولة بل اوروبا كافة من حقها أن تحمي نفسها وتحافظ على مواردها من أجل مواطنيها الذين هم اولى بالرعاية. ولكن ان يتخذه مجلس الأمن فهو اجراء غير موفق وتخلي واضح من المسؤوليات الأممية من جانب المنظمة تجاه قطاع عريض من رعايا عضويتها.
فقد تناست المنظمة الأممية وتحديدا مجلس الأمن ما ينبغي عليه مواصلته من دور سبق ان قام فيه في موضع الحدث الا وهو ليبيا موضوع القرار، حيث ساهم المجلس في مساندة الشعب الليبي في ثورته على الظلم، عبر قراره رقم 1973 الذي اصدرته الأمم المتحدة في مارس 2011 كجزء من ردة الفعل الدولية تجاه ثورة الشعب الليبي في 17 فبراير 2011، فاقتضى القرار فرض حزمة واسعة من العقوبات على النظام الليبي انذاك فمهدت الطريق لسقوطه وتواصلت التداعيات منذ ذلك الوقت، وما زيادة عمليات تفويج المهاجرين انطلاقا من ليبيا الا واحدة من تداعيات ذلك القرار، رغم انه قرار كان مساندا للشعب الليبي الثائر على الظلم حينها.
ان القضية الانسانية سواء كانت في ليبيا او بجوارها أو في الشام او بأعماق افريقيا، فهي من مسؤوليات المجتمع الدولي فلا ينبغي التعامل معها بسطحية وتعال وفوقية، بل يجب وبسرعة مخاطبة الأسباب وتهيئة المناخات اللازمة لاستقرار المهاجرين في بلدانهم وتوفير احتياجاتهم الأساسية ومراعاة حقهم في التنقل بدلا من صدهم من وسط البحار عبر تدمير سفنهم التي يتشبثون بها كقش للنجاة ... ولكن يبدو ان حالهم اصبح كحال المستجير بالرمضاء من النار!