[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
في كرَّة جديدة، تستجمع أذرع الإرهاب قواها في المنطقة علَّها تتمكن من نقلها إلى مصرعها الأخير الذي بنت وفقه خططها ومشاريعها، محاولةً النبش في دفاتر الأفغنة والبحث في الوسائل التي مكَّنتهم من تكوين تنظيم القاعدة تحت شعار "الجهاد" ضد الاحتلال الشيوعي المتمثل في الاتحاد السوفيتي السابق، وإعادة استنساخ هذه التجربة بأفغنة سوريا خاصة والمنطقة عامة تحت أكاذيب طرد "الاحتلال" الروسي ونشر "الديمقراطية"، و"دعم" المعارضة السورية "المعتدلة"، و"مساعدة" الشعب السوري لتحقيق تطلعاته.
ما أشبه الليلة بالبارحة، حيث المستفيد من كل ذلك الرأسمالية المتوحشة بقيادة الولايات المتحدة والصهيونية العالمية بقيادة المستعمرة الكبرى المسماة "إسرائيل"، فعلى امتداد سنوات المواجهة مع الاتحاد السوفيتي السابق على أرض أفغانستان، كانت إرهاصات انهيار المعسكر الشرقي الشيوعي تلوح في سماء الرأسمالية المتوحشة، في حين كانت نصال الإرهاب الصهيوني تطعن جسد فلسطين، وتقطعه قطعة قطعة، وكان العدو الصهيوني المحتل يستبيح حرمات الفلسطيني ويسيمه صنوف العذاب والنكال والإرهاب، ما فجر في العام 1987 الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي عرفت بانتفاضة الحجارة، وذلك لقيام محتل صهيوني بدهس مجموعة من العمال الفلسطينيين عن سابق إصرار وترصد عند معبر "إريز" الذي يفصل قطاع غزة عن باقي الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقد وجَّه يومها إسحاق رابين رئيس حكومة الاحتلال الصهيوني الاتهام إلى إيران وسوريا بأنهما تقفان وراء هذه الانتفاضة، معلنًا خلال كلمة في الكنيست الإسرائيلي: "سنفرض القانون والنظام في الأراضي المحتلة، حتى ولو كان يجب المعاناة لفعل ذلك". وأضاف قائلًا:" نكسر أيديهم وأرجلهم لو توجب ذلك". وهذا بالفعل ما كان، حيث أقدم جنود الاحتلال الصهيوني على تكسير أذرع الأطفال والشباب الفلسطينيين المنتفضين ضد جرائم الاحتلال الصهيوني وإرهابه، فيما كان العالم وأمة العرب منشغلة بـ"الجهاد" الصهيو ـ أميركي بالوكالة ضد الشيوعي عدو الرأسمالية والصهيونية، في حين، أعداء الأمة الحقيقيون يستفردون بالشعب الفلسطيني وبأرضه احتلالًا وإبادةً واعتقالًا. أما اليوم، فيعيد التاريخ نفسه، حيث يقود الصهيو ـ أميركي ذاتهما الأعراب والمستعربين والرجعيين عبر طائفة امتهنت دين الإسلام تجارة وسمسرة، فمنهم من أصبح مفتيًا عامًّا لحلف شمال الأطلسي، ومنهم من أضحى مفتيًا خاصًّا للصهيو ـ أميركي، وغدت فتاواهم تحت الطلب، ولمن يدفع أكثر. وفيما تعيث النازية الجديدة على أرض فلسطين المحتلة فسادًا وإجرامًا وإبادةً وترويعًا، وتفتك بالأطفال والنساء وكبار السن، وبالحجر والشجر، وتدنس المسجد الأقصى وتتجه إلى تدميره، يُوالي تجار الدين وسماسرته إصدار فتاوى "الجهاد والنكاح" في سوريا بكذبة محاربة "الاحتلال الروسي"، مطالبين أسيادهم بـ"غضبة"! أين؟ في سوريا وليس فلسطين؟ في مفارقة صارخة وفاضحة تعبر عن مدى ما وصل إليه حال الأمة من انحدار أخلاقي وتردٍّ، وعن مدى تأصل الخيانة والعمالة لدى مكونات شاذة محسوبة على العروبة والإسلام ـ للأسف ـ وتبعيتها للصهيو ـ غربي. وفي معادلة معكوسة بين "الجهاد" الشرعي وأين يجب أن يكون، وبين "الإرهاب" الذي يجب أن يستأصل وتحديدًا الإرهاب الصهيوني، هذا فضلًا عن تشويه متعمد لفريضة "الجهاد" التي شرعت لنصرة المسلمين والدفاع عن بلادهم.
وإذا كان الإرهاب الملفع كذبًا برداء "الجهاد" في أفغانستان قد سمح بسيادة الرأسمالية والصهيونية المتوحشتين المشهد العالمي، ومكَّنهما من استباحة دماء العرب والمسلمين والاستيلاء على ثرواتهم ومقدراتهم، وإعادتهم إلى العصور ما قبل التاريخ من الرجعية والتخلف، وتعطيل التنمية في مختلف مجالاتها، وجرف العقول العربية والإسلامية، وآذن بالزوال التدريجي لفلسطين ومكانتها من الذاكرة الجمعية، ناهيك عن زوالها التدريجي من الجغرافيا والخريطة، فها هو الإرهاب ذاته الملفع زورًا بثوب "الجهاد" يحاول يستجمع قواه عبر أذرعه بمفتيه وداعميه ومموليه وعصاباته تحت سيل من الأكاذيب التي انطلت على الكثير من المغيبين والمعزولين عن الواقع، والمغسولة أدمغتهم، تارة بكذبة طرد "الاحتلال الروسي" من سوريا، وتارة بكذبة "نشر الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان والحريات، وحماية اللاجئين"، ليفتح بوابة سوريا أمام الرأسمالية والصهيونية وشرورهما والتي استعصى عليهما فتحها، إيذانًا باستكمال مشروع الهيمنة العالمية لهاتين الشقيقتين "الرأسمالية والصهيونية"، وإبعاد كل من روسيا والصين عن البحار الدافئة في المنطقة من ناحية، واستكمال مشروع اغتصاب فلسطين وفق ما يسمى مشروع "الشرق الأوسط الكبير"، الذي يرى أعداء الأمة وعملاؤهم أن تحققه بات قاب قوسين أو أدنى بقطع رأس سوريا.
المخزي أن ذوي العمالة والرجعية والتخلف، وتجار الدين والمفتين تحت الطلب، وسماسرة الحروب، ودعاة المناطق العازلة والآمنة، أجمعوا أمرهم على نقل الأمة بين مواجع الألم والدم على متون الانحطاط الأخلاقي والعمالة والخسة والنذالة، وبدل أن يجمعوا أمرهم لصالح بلاد العرب والمسلمين وفي مقدمتها فلسطين المحتلة وإنقاذها من براثن إرهاب الصهيونية والرأسمالية، بدأوا سرًّا وعلنًا وفق طلب أسيادهم وفي مقدمتهم قاتل أطفال فلسطين ومدنس مقدساتها المدعو بنيامين نتنياهو، بممارسة ضغوط على الرئيس الفلسطيني محمود عباس لإنهاء انتفاضة السكاكين التي انضمت إلى الحجارة لردع النازية الصهيونية، وتجميع صفوف عصابات الإرهاب والبحث عن المزيد من أصحاب السوابق والجرائم في السجون، ليتأتى لهم تسليح هذه العصابات بأسلحة متطورة ونوعية لاستنزاف الروسي الداعم للجيش العربي السوري، بما يسمح بأفغنة سوريا وخضوعها تحت سيطرة الإرهاب بكل أشكاله ومكوناته، مع تولي ماكينات الإعلام عمليات ضخ التشويه لحقيقة الدور الروسي والتحريض ضده، بجانب بعض التكتيكات الميدانية لإضفاء المصداقية لما يضخ من كذب وتشويه بأن العمليات العسكرية الروسية تستهدف "المعارضة المعتدلة" المزعومة، ولا تستهدف تنظيم "داعش" الإرهابي، ولتبرير الدعاوى المشبوهة بإقامة مناطق عازلة في شمال سوريا وجنوبها، كما هو الحال بإعطاء الأوامر للعصابات المسلحة في ريف حلب بالانسحاب من المناطق التي تسيطر عليها أمام إرهابيي التنظيم.