[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedbinsaidalftisy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد بن سعيد الفطيسي[/author]
”.. بينما تعلن الولايات المتحدة الأميركية حربها الكونية بكل قوة وشراسة و(مصداقية وشفافية) كما تدعي منذ بوش 2001م وحتى أوباما 2015م على ارض الواقع في كل أنحاء العالم، وخصوصا الشرق الأوسط، نلاحظ وجود تناقضات واضحة بين الأقوال والأفعال، كما نلاحظ الأحادية في التصرفات والمصالح وفي التعامل الجانبي الأناني على حساب الشريك والتحالف الدولي”
ـــــــــــــ
منذ أكتوبر من العام 2001م وكل دول العالم محتشدة في طابور طويل خلف الولايات المتحدة الاميركية في حربها الكونية ضد ما يطلق عليه بالحرب على الإرهاب، هذا الوحش القديم المتجدد الذي خرج في القرن 21 كطائر الرخ الأسطوري من غبار ورماد أنقاض أبراج مركز التجارة العالمي ومبنى البنتاجون في الولايات المتحدة الاميركية، لتبدأ بعد تلك الأحداث، الدولة الأقوى في العالم ترأس ائتلافا عالميا قويا لمواجهته وحربه في كل أنحاء العالم.
الا انه وللأسف الشديد وبعد مرور ما يقارب الـ 15 سنة تقريبا على بداية انطلاق تلك الحرب، نلاحظ ان تلك الجهود الدولية المضنية قد فشلت إلى حد بعيد في احتوائه والحد من آثاره ومخاطره وانعكاساته على الدول والشعوب والأفراد، بل على العكس من ذلك، فالملاحظ ان خطر الإرهاب قد اتسع جغرافيا بتمدد رقعته وزيادة منظماته وأفراده، وتمدد أيديولوجيا ببروز العديد من الأفكار والتوجهات والآراء التي تغذيه عبر شبكة طويلة من الممارسات والنظريات والمحفزات السياسية والاقتصادية والثقافية وغير ذلك.
ومن هذا المنطلق يتأكد لنا وجود العديد من الثغرات والتناقضات وربما الأكاذيب والمؤامرات التي سايرت ورافقت تلك الجهود والتوجهات والأهداف الاستراتيجية الدولية خلال عقد ونصف حتى اليوم، خصوصا في أهم جانبين منها وهما المصداقية والشفافية، ويقع على رأس ذلك ما نسميه بتناقضات السياسات والأهداف بين الواقع والنظرية، ومن تلك النماذج نموذج القيادة الأهم وهو الولايات المتحدة الاميركية في تعاملها مع أهداف واستراتيجيات الحرب على الإرهاب، ويبرز ذلك فيما نطلق عليه بنظرية الاحتواء على سبيل المثال لا الحصر.
فبينما تعلن الولايات المتحدة الاميركية حربها الكونية بكل قوة وشراسة و(مصداقية وشفافية) كما تدعي منذ بوش 2001م وحتى أوباما 2015م على ارض الواقع في كل أنحاء العالم، وخصوصا الشرق الأوسط، نلاحظ وجود تناقضات واضحة بين الأقوال والأفعال، كما نلاحظ الأحادية في التصرفات والمصالح وفي التعامل الجانبي الأناني على حساب الشريك والتحالف الدولي، ومن ابرز تلك الاستراتيجيات المتناقضة للحرب الاميركية على الإرهاب بين النظرية والواقع، تناقض استراتيجية الاحتواء والتعامل السياسي وهي محل تركيزنا المختصر في هذا الطرح.
حيث تؤكد الولايات المتحدة الاميركية عبر خطابها السياسي النظري على عدم التعامل مع الإرهاب والتنظيمات الإرهابية أو التفاوض معها مطلقا وبأي حال من الأحوال وفي مختلف الظروف، وهو ما تحفز وتحرض عليه شركاءها في تلك الحرب الطويلة، حيث تواصل التأكيد على انه ليس هناك من فائدة من التعامل مع تلك التنظيمات الإرهابية بأسلوب سياسي او دبلوماسي، بينما نلاحظ عكس ذلك في تعاملاتها هي على ارض الواقع ألعملياتي والميداني منذ العام 2001م وحتى العام 2015م مع تلك التنظيمات.
ولتسليط الضوء أكثر فأكثر حول هذه النقطة يمكن ان نسترجع شيئا من التاريخ السياسي للعلاقة الاميركية مع التنظيمات الإرهابية المعاصرة، حيث يؤكد بريجنسكي نقلا عن وكالة الصحافة الفرنسية في 14/1/1998م قوله: قمنا بالفعل بمساندة المجاهدين قبل الغزو ـ يقصد حركة طالبان قبل غزو الاتحاد السوفيتي لأفغانستان ـ ما يؤكد الدعم لتلك التنظيمات منذ النشأة وهو أمر ليس بالخفي على احد، ويواصل ان هذه العملية السرية لفكرة مبدعة وهي تهدف إلى دفع الروس للوقوع في الفخ في أفغانستان، أما في الفترة الممتدة بين 1994-1998 فقد ساندت الولايات المتحدة الاميركية الطالبان تحت ذريعة محاولتها لحماية مصالحها الاستراتيجية، وقد شكل دعم الولايات المتحدة للطالبان وسيلة دائمة ومباشرة للتدخل الاميركي في المنطقة وهو ما أكده المساعد الاميركي لوزير الخارجية روبين رافل ـ القدس العربي بتاريخ 9/4/2000م.
وباختصار شديد ـ ان الولايات المتحدة الاميركية قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر كانت الداعم السياسي والاستخباراتي الأكبر للحركات (المجاهدة)، وهو ما يؤكد على النقطة التي نود التطرق إليها، وهي التعامل الدبلوماسي والسياسي للولايات المتحدة الاميركية مع تلك التنظيمات كأسلوب احتواء، فالمصالح الاستراتيجية والاقتصادية حثت الولايات المتحدة على المضي بما أسمته صحيفة الجاردين البريطانية بالخط المؤيد العام الذي يتخذه مسؤولو الولايات المتحدة تجاه طالبان، وبمحاولة تفسير ذلك نقلت الكايبل نيوز نتورك –CNN بتاريخ 8/10/1996م- ما يلي: تريد الولايات المتحدة الاميركية بناء علاقات جيدة ـ سياسية ودبلوماسية - مع طالبان الا انه يستحيل عليها المجاهرة بذلك فيما يقوم الطالبان بقمع النساء، فهي بذلك تحاول تحقيق ما تصبو إليه سرا.
ورغم ذلك الدعم الواضح والصريح ما زال البعض يجادل حتى الآن خصوصا منقدي سياسة الاحتواء لتلك التنظيمات بأن الطابع العابر للمنظمات الإرهابية المعاصرة يجعل من العقيدة التي صممت للدول القومية التقليدية ولو العدائية عقيدة بالية، فشبكات الإرهاب الغامضة، على حد قول الرئيس بوش "صعبة الاحتواء"، فالاحتواء بحسب جون غاديس صمم بوصفه استراتيجية ترتكز على الدول وترتكز على أنظمة يمكن تحديدها ويمكن ان تدير المخاطر الجارية التي لا تصل إلى الحروب، ويبدو الاحتواء نتيجة ذلك، وكأنه يفتقر إلى القدرة على استمالة المجموعات الإرهابية بالرشوة على سبيل المثال، على أساس أنهم ليسوا جزءا من لعبة شطرنج الدبلوماسية الدولية وبالتالي ليسوا قابلين للتأثر الحوافز وبحسابات الربح والخسارة التي تحكمها، انظر: ايان شابيرو، نظرية الاحتواء - ما وراء الحرب على الإرهاب.
والحقيقة ان المتتبع لتاريخ العديد من التنظيمات التي يطلق عليها بالتنظيمات المتطرفة والإرهابية "كتنظيم القاعدة على سبيل المثال - يجد أن الرؤية سالفة الذكر غير صحيحة إلى درجة كبيرة، فهناك من الأدلة والبراهين الكثيرة التي تؤكد ان تلك التنظيمات هي جزء لا يتجزأ من لعبة شطرنج الدبلوماسية الدولية، وان الولايات المتحدة الاميركية نفسها كانت أول الدول التي تفاوضت مع تلك التنظيمات واستمالتها سياسيا واقتصاديا، الأمر الآخر والذي نؤكد على عدم صحته وهو ان تلك التنظيمات ليست قابلة للتأثر بالحوافز وبحسابات الربح والخسارة التي تحكمها لعبة شطرنج الدبلوماسية الدولية وهو ما يتضح جليا في تراجع بعض التنظيمات على حساب أخرى في معركة الحرب الايديوسياسية التي تشترك فيها الدول والحكومات والمنظمات الإرهابية المتطرفة العابرة للقارات للسيطرة على اكبر مساحة ممكنة من رقعة الشطرنج الدولية.
صحيح ان دعم الولايات المتحدة الاميركية للطالبان قد بدا بالتضاؤل مع مجيء ادارة بوش، ولكن ذلك لا يكمن او يفسر السبب الرئيسي لذلك في مصداقية وشفافية الإدارة الاميركية في ذلك الوقت في حربها ضد الإرهاب، بل في ان الطالبان لم يفلح في تأدية دور الحكومة الخاضعة والصديقة للولايات المتحدة الاميركية، ويؤكد ذلك المقابلة التي قام بها الصحفي عمر صمد مع احمد رشيد - كاتب وخبير باكستاني في شؤون حركة طالبان- عبر الراديو الأفغاني بتاريخ 15/4/2000م، كما نستذكر في هذا السياق المفاوضات الدبلوماسية ـ مفاوضات الطرشان كما أطلق عليها - والتي قام بها العالم وبقيادة أميركية مع حركة طالبان حول تدمير هذه الأخيرة لتماثيل بوذا في 5/3/2001م .
والمتتبع لتاريخ الحركات الإرهابية وعلاقاتها السياسية والدبلوماسية مع العديد من دول العالم يلاحظ العديد من التناقضات بين الواقع ولغة الخطاب السياسي المعلن في ما وراء الحرب على الإرهاب، وخصوصا في نظرية الاحتواء التي أعلنها الرئيس بوش، حيث وبينما تعلن الكثير من الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية عدم الفائدة من التفاوض مع الحركات والتنظيمات والشبكات الإرهابية نجد أنها وبطريقة سرية ومن خلف الكواليس تتفاوض معها، وبينما تعلن للعالم ان تلك المفاوضات والسياسة الناعمة غير مجدية معها، يتم اكتشاف العديد من ذلك النوع من المفاوضات بين تلك الدول والتنظيمات منذ العام 2001م وحتى يومنا هذا.
وللتأكيد على ذلك يمكن مراجعة العناوين الإعلامية التالية: الواشنطن بوست مفاوضات أميركية قطرية بشأن قياديي طالبان المفرج عنهم، باكستان تعلن تأجيل المحادثات بين الحكومة الأفغانية وطالبان بتاريخ 30/7/2015م ، وفي مقال كتبه جيمس دوبينز وكاتر ملكسيان تحت عنوان: عملية السلام في أفغانستان: كيف نتفاوض مع طالبان ما يؤكد بالأدلة والبراهين ان سياسة الاحتواء هي احدى الوسائل التي اتخذتها القيادات السياسية الاميركية للتعامل مع التنظيمات الإرهابية ولكن ليس بعدم التفاوض معها تحت على أساس أنهم ليسوا جزءا من لعبة شطرنج الدبلوماسية الدولية وبالتالي ليسوا قابلين للتأثر الحوافز وبحسابات الربح والخسارة التي تحكمها، بل العكس من ذلك.
خلاصة ما نود التأكيد عليه من خلال هذا الطرح النقاط التالية:
أولا : ان فشل الجهود الدولية في احتواء الإرهاب العابر للقارات حتى العام 2015م هو اكبر دليل على عدم شفافية ومصداقية الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية في التعامل مع تلك التنظيمات بجدية، وهو ما يحدث اليوم مع تنظيم داعش وغيره من التنظيمات التي ينظر إليها العالم على أنها تنظيمات إرهابية مسلحة، يجب القضاء عليها وليس التفاوض معها، ثانيا: ان الدول الكبرى تجد في تلك التنظيمات أدوات سياسية ودبلوماسية ذات فائدة ومصلحة للابتزاز الاقتصادي والسياسي والسيطرة على العالم من خلال نظرية التوسع الامبريالي الاستعماري، وطالما استمرت هذه النظرة فستظل تلك التنظيمات في التوسع والتمدد باتساع تلك المصالح الجيوسياسية الدولية.
ثالثا: تنظر العديد من الدول الكبرى كالولايات المتحدة الاميركية إلى تلك التنظيمات كأوراق رابحة يمكن ان توجه وتستخدم ضد مصالح بعضها البعض حول العالم، وبالتالي يمكن ان تستخدم كأدوات حرب وإرهاب وليس من مصلحتها القضاء عليها بشكل كامل، بل على العكس اذا قدر لبعضها التفاوض معها للتحالف فهو أفضل بكثير، رابعا: استمرار قوة تلك التنظيمات في العراق وسوريا واليمن وغيرها من الدول في الشرق الأوسط، واستفحال الإرهاب في هذه البقعة من العالم تحديدا، هو اكبر دليل على استخدام تلك التنظيمات كجزء من لعبة الشطرنج الدبلوماسية الدولية وليس لأن سياسة الاحتواء فاشلة وأنها لا تستطيع استمالة المجموعات الإرهابية بالرشوة على سبيل المثال لا الحصر، أخيرا: لا يجب على الدول العربية ان تعول على الولايات المتحدة الاميركية والدول الكبرى كثيرا في احتواء تلك التنظيمات، بل يجب عليها ان تبدأ بتحصين نفسها من الداخل، والاعتماد على سياسات أكثر توافق مع شعوبها، فحصانة الداخل الوطني لتلك الدول لا يمكن ان يتحقق من خلال حواجز عسكرية او أمنية توضع على الحدود الجغرافية، بل على سياسات أكثر تقارب مع بين تلك الحكومات والشعوب من خلال العدل والمساواة والاهتمام بفئة الشباب وغير ذلك من أشكال تعزيز المناعة الوطنية الداخلية ضد كل أشكال التطرف والتعصب والإرهاب.