[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedaldaamy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أ.د. محمد الدعمي[/author]
” عندما ذهبت، موفداً، إلى دولة فيجي الواقعة جنوبي المحيط الهادي، أي حوالي سبع ساعات بالطائرة من استراليا، إضطر موظف قنصلية هذه الدولة في سيدني للبحث عن العراق على خارطة العالم، لأنه، وببساطة، لم يسمع بهذا البلد من ذي قبل أما الآن، فقد وردت أنباء عن وجود "جالية عراقية" معتبرة، عدداً في مدينتي "ناندي" و"سوفا" الفيجيتين الرئيسيتين.”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يشعر الخبراء الغربيون بالحيرة والارتباك الشديد عندما يستعرضون مؤشرات التطور والتقدم في أغلب دول إقليمنا، ثم عندما يقارنوها بطوابير مئات الآلاف من الشبان والنساء والأطفال الهاربين من دولنا نحو أوروبا ودول العالم الغربي عامة. ثمة بون صادم، عصي على التجسير، بين البيانات والإحصائيات من ناحية، وبين تضاريس الفقر والبؤس الاجتماعي في أغلب دول إقليمنا الملتهب.
عندما ذهبت، موفداً، الى دولة فيجي الواقعة جنوبي المحيط الهادي، أي حوالي سبع ساعات بالطائرة من استراليا، اضطر موظف قنصلية هذه الدولة في سيدني للبحث عن العراق على خارطة العالم، لأنه، وببساطة، لم يسمع بهذا البلد من ذي قبل أما الآن، فقد وردت أنباء عن وجود "جالية عراقية" معتبرة، عدداً في مدينتي "ناندي" و"سوفا" الفيجيتين الرئيسيتين. ولم يزل المرء لا يدري لماذا يهجر أبناء الشرق الأوسط بلدانهم بحثاً عن ملاجيء لهم حتى في أراضي "الواق واق"، أي في جزر أرخبيل فيجي!
هذا هو ما يصدم الخبراء الغربيين: فاذا ما تجاوزت نسبة عدد حملة الشهادات العليا، الدكتوراه خاصة، في المجتمعات الشرق أوسطية نسبتهم في عموم أوربا وأميركا الشمالية سوية؛ لماذا إذاً يهرب أبناء الشرق الأوسط من هذا "الفردوس" الذي يمخره الاختصاصيون، حيث لا يحتاج المرء للتسجيل على برامج الدكتوراه، ولا حتى لاستعارة مصدر واحد من مكتبة كي يحصل على هذه الدرجة العلمية الرفيعة. بلى، أضحى الشرق الأوسط فردوس علمي بمعنى الكلمة: إذ يمكنك أن تمنح نفسك اية درجة علمية رفيعة، ثم تعززها بأي لقب أكاديمي رنان، دون حاجة لمراجعة دوائر البعثات أو للجان الفحص والرصانة العلمية أو لجان السلامة الفكرية. يكفيك أن تقرر إضافة صفة "دكتور" المجانية في عالمنا فقط ، نظراً لأن هذه الصفة غدت مرتهنة بـ"الاشتهاء" أو "الرغبة" هي هدف بحد ذاته وليست وسيلة لأهداف اجتماعية وتنموية أسمى.
ودليل ما أذهب اليه في أعلاه هو استفهام بسيط للغاية: أين مردودات ونتائج آلاف بل وعشرات الآلاف أطروحات أبحاث الماجستير والدكتوراه على تطوير مجتمعاتنا وتقدمها عبر عالمنا العربي؟ هذا هو السؤال الذي قدمته لي الصحفية اللامعة "نرمين المفتي" عام 1995 عندما عملت رئيساً لنادي الجمهورية الثقافي، إذ بقيت هذه السيدة المحترمة حائرة في البحث عن معطيات وتوصيات العشرات من هذه الشهادات في التقدم والتطور الاجتماعي والاقتصادي. وهي مبررة في شعورها بالحيرة والخذلان قبل الخبراء الغربيين المذكورين أعلاه بعشرات السنوات.
أما البيانات والإحصاءات الرقمية التي يقدمها القادة الإداريون لأولي الأمر في كل حقل على الإطلاق تقريباً، فانها تقدم صوراً تخيلية رقمية لمجتمعات تحيا في أجواء لا مشرقة ولا واعدة ولا هم يحزنون، بدليل ظاهرة النزوح المليوني (على الأقدام) عبر الجبال والبحار من عالمنا السعيد الى عالم أوروبا الكئيب، ولو تطلب الأمر التضحية بأبناء اللاجيء في البحار وبمستقبلك وبمستقبله في مطابخ ودورات مياه المطاعم والحواضر الأوربية: ما هذا النفاق يا مجتمعاتنا؟