إن القيم والمبادئ والتسامح والعدالة والمساواة والمشاركة والحوار والحكمة في كل شيء وغيرها من الأسس القويمة التي نهضت عليها سياسة السلطنة، مثلت على الدوام مرتكزات وموجهات استقامت وفقها جميع العلاقات في الداخل والخارج، وسارت على هديها الخطط التنموية وفي مقدمتها تنمية الإنسان العماني.
لقد لعبت هذه المرتكزات دورًا وطنيًّا ومحوريًّا في داخل السلطنة وخارجها، كيف لا؟ وهي تستمد روحها ووهجها من مدرسة الحكمة والرقي في التعامل وعلو الكعب في الفهم وعملية البناء واستشراف آفاق المستقبل، المدرسة التي رفع أعمدتها بكل فخر حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ والتي أصبحت صرحًا وطنيًّا وعالميًّا يشار إليها بالبنان، ومحل افتخار ومثال يحتذى. وفي ظلالها الوارفة في الداخل والخارج كان اسم جلالته ـ أبقاه الله ـ ولا يزال وسيظل قرينًا لعهد يغلق الباب أمام مفاهيم قديمة كانت تنهض على أن هيبة الدولة تخوض في أودية من الدماء أو عبر سنين من الحرمان للخصوم في الرأي والاتجاه.
فسياسة الحوار والتفاهم واحترام الآخر وتبادل المنافع والمصالح وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وسياسة العدالة والمساواة الاجتماعية وصون الحقوق والمشاركة الفعلية، مثلما كانت سبيلًا لالتحام أركان الدولة، كانت سبيلًا أيضًا لمساعدة الأطراف الإقليمية والدولية في حل الكثير من القضايا والخلافات، حيث تكفَّل الزمن وتفاعلات الأحداث بتقديم الأدلة الناصعة على قيمة الدروس ومتانة المنهج لمدرسة الحكمة لجلالة السلطان المعظم ـ أيده الله ـ بأن التسامح والحوار والعفو عند المقدرة سبيل النجاح في قيادة السفينة إلى بر الأمان، رغم جبال الثلج المعترضة والرياح العاتية، وأن أشرعة الحكمة هي الأقدر على الثبات والأقوى من كل هبة ريح عابرة.
برنامج "المرتكزات والمبادئ الموجهة لسياسة الدولة" الذي تنظمه وزارة الخدمة المدنية للسنة الثانية على التوالي بالتعاون مع المعهد الدبلوماسي التابع لوزارة الخارجية والذي يختتم بعد غد، أخذ على عاتقه تعريف المسؤولين الذين حُمِّلوا أمانة خدمة هذا الوطن ومواطنيه بهذه القيم والمرتكزات التي قامت عليها أركان الدولة العمانية العصرية وسياستها في الداخل والخارج والتي أصبحت دستورًا بموجب شرعية وقانونية ودستورية نصوص مواد النظام الأساسي للدولة والتي تنظم العلاقة بين المواطنين، وتحفظ حقوقهم وفق قواعد العدالة والمساواة والقانون، وتبين العلاقات القائمة بين السلطنة ودول العالم والمنظمات الإقليمية والدولية.
وما من شك أنه حين يكون لدى أولئك الذين هم في الوظائف القيادية والإشرافية الفهم الكافي والإلمام الكبير بتلك المبادئ والمرتكزات، سينعكس إيجابًا على مستوى الأداء والإنتاج، وتعميق مكانة الحقوق، ورقي التعامل، سواء مع مرؤوسيهم أو المواطنين، أو مع غيرهم، بما يؤدي إلى تحقيق الأمن والاستقرار ومراعاة المواثيق والمعاهدات الدولية والإقليمية وقواعد القانون الدولي، وما يؤدي إلى تطوير قدراتهم العملية ليتمكنوا من القيام بالمهام المناطة إليهم بكل فاعلية واقتدار، ويحسن في نهاية المطاف الأداء المؤسسي.