[author image="http://alwatan.com/styles/images/opinion/abdalahabdelrazak.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. عبدالله عبدالرزاق باحجاج [/author]
وأخيرا، أدركت الحكومة أهمية ،،الميديا،، في تمرير خططها التقشفية لمواجهة الأزمة النفطية والحد من تأثيراتها على الوضع المالي للبلد وعجز الموازنة السنوي، وأعطيت لإعلامنا الحكومي وبعض الأقلام الصحفية مهمة التهيئة النفسية المجتمعية لتقبل ما هو قادم، والقادم ـ وكل شيء بمشيئة الله ـ يبدو أنه سوف يحمل آلاما اجتماعية تصاعدية حسب تصعيد حدة التدني في أسعار النفط، هكذا يبدو لنا الوضع من خلال الرسائل الإعلامية والصحفية للتهيئة النفسية المجتمعية، وهذا النوع من الأساليب لن تنفذ للقناعات المجتمعية، لماذا؟ لأنها تحمل المجتمع لوحده ما لا يتحمله بقدرته المالية المحدودة في ظل غياب الخطوات الحكومية التي ينبغي أن تتخذ حتى تقنع بها المجتمع فأين الثمن الذي ينبغي ان تدفعه الحكومة أولا، والقطاع الخاص ثانيا؟ لا يمكن القفز فوق هذه الترابية إذا اردنا نجاح التهيئة الاجتماعي.
رسائل الحكومة عبر الإعلام والصحافة وصلت مشوشة أحيانا ومشوه في حالات أخرى، وفي حالات ثالثة تثير الاستياء، فهناك تقرير إذاعي يعاد يوميا وفي كل النشرات لمدة أربعة أيام متواصلة يرسم صورة قاتمة عن مستقبل الأسعار النفطية، ويبين إقدام الدول على اتخاذ خطوات مقبلة مؤلمة، ويستعين بخبير اقتصادي عماني يبشر بملامح عامة قادمة، وكاتب صحفي يتهم المواطنين بهدر الأموال العامة، ويرى أن هذا الهدر لا ينبغي الاستمرار فيه في وقت تلجأ الحكومة إلى الاستدانة الداخلية عن طريق طرح سندات سيادية لأول مرة، وهو ينصب هنا جل غضبه على استمرار الدعم الحكومي على المحروقات، وهذه إشارة الى قرب رفع الدعم الحكومي عن المحروقات، نلمس فيها كذلك رائحة المساس بالدعم الحكومي على الكهرباء والمياه، وكاتب آخر يغرد خارج المرحلة ويحاول تبرير اعتماد بلادنا على النفط، بندرة المياه في قطاع الزراعة، وبعدم انفتاح المجتمع بالنسبة لتطور السياحة، ومن ثم يقفز بنا فوق تقبل الواقع دون عتاب أو لوم .. هذا كله تخفيف بالفكر وتسطيحه في معالجة أزمة تذكرنا بأزمة عام 1998عندما وصل سعر النفط إلى عشرة دولارات، فهل الوسائل والأدوات التي اتخذتها الحكومة لمعالجة هذه الأزمة كانت صحيحة؟ وهل تصلح لأزمة 2014 ؟ وفي الأزمة القديمة عرفنا لأول مرة ماذا تعني مفردة الآلام الاجتماعية، ولا تزال تداعياتها قائمة حتى الآن في حياة المتضررين بها، وبالتالي فإن لهذه المفردة المكررة الآن في جل الخطابات الإعلامية والتصريحات المختلفة حساسية كبيرة ودلالة تطبيقية محددة حتى وإن اختلفت صورها وذلك باختلاف المراحل، من هنا يقلقنا كثيرا في هذه التهيئة النفسية، النظرة الأحادية المتجهة نحو المجتمع فقط رغم أن هناك شركاء، هم الحكومة والقطاع الخاص، تقع عليهم مسئولية ما وصلت إليه البلاد من اعتمادنا على مصدر النفط، وتقع عليهم مسئولية استمرار الدعم الحكومي على المحروقات على وجه الخصوص، فتاريخ نشأة الدعم كان بمبادرة من رجال اقتصاد بارزين لهم مواقع حكومية عليا لكي تستفيد شركاتهم من هذا الدعم، واستمر حتى ارتبط بمعيشة المواطنين ومستقبل أوضاعهم الحياتية في ظل المرتبات المتوسطة والمتدنية لمعظم المواطنين، إذن، أين الإشكالية؟ هل في الإدارة الإعلامية والصحفية لمرحلة التهيئة أم بسبب السرية التي تكتنف الخطوات الحكومية المقبلة؟ الا إذا كانت الحكومة تعتقد أن ما كشفته من خطوات حكومية في منشوراتها السبع التي اصدرتها منذ بداية العام الحالي 2015، هي طبيعة التضحيات المقدمة من قبلها، وهي منشورات تتعلق جوهرها في الحد من السفرات واستخدام السيارات والكهرباء والماء .. الخ ورغم ذلك هل الكل يتقيد بها؟
وإعمالا للعقل والمنطق الذي يحترم الوعي العام، وتقديرنا الرفيع بماهية الأزمة النفطية وتداعياته المستقبلية، ومن ضرورة تضامن الكل لمواجهة هذه الأزمة، هناك مجموعة تساؤلات ينبغي أن تطرح، أبرزها، هل رفع الدعم عن المحروقات وحتى عن الكهرباء والماء ـ كما يلوح به البعض - سيأتي في سياق تصحيح الأوضاع العامة في البلاد أم هو إجراء أحادي الجانب يستهدف البعد الاجتماعي؟ لأننا إذا سلمنا بفرضية الهدر، فإن هناك هدرا أكبر للمال العام، يراه المواطن بكل حواسه الخمس، وقد كتبنا عنه عدة مقالات، والتساؤل الآخر والمهم كذلك، هل لدى الحكومة دراسة مستقلة عن التداعيات المحتملة لرفع الدعم؟ لا بد من معرفة حجم الضرر الاجتماعي مسبقا حتى تكون لدينا رؤية شاملة، وهذه الرؤية ينبغي أن لا تنحصر على فئات الضمان الاجتماعي فقط، فشرائح محدودة الدخل كبيرة ومتعددة، فلو فتحنا نافذة صغيره عليها، فسوف نرى مثلا هناك (63) ألف مواطن عمل يعمل في القطاع الخاص دون (400 ) ريال، فكيف لو فتحنا نوافذ أخرى؟ فهل مثل هذه الحالات سوف يعتد بحجم التأثير عليها ؟ وهناك موازنات ضخمة لكيانات وزارية آن الأوان لترشيدها وعقلنة الانفاق فيها، وهي معلومة بالضرورة، وهناك جهاز اداري ضخم ومترهل ومتراخ ـ يراجع تصريحات سابقة لمعالي عبدالله بن يوسف العلوي ـ وهيئات ولجان وفرق عمل بالمئات تستنزف اموالا طائلة من خزينة الدولة، وينطبق عليها صفة الهدر، ينبغي إعادة النظر فيها، وهناك قضية الإيجارات الحكومية،، المليونية،،وهناك .. وهناك، إذن، على الحكومة أولا أن تكشف للمجتمع عن حجم آلامها المقبلة حتى تقنع المجتمع بتحمل حجم آلامه .. فالكل ينبغي أن يتضامن ووفق حسابات سياسية واجتماعية عالية المستوى والتقدير .. للموضوع تتمة.