إعداد ـ علي بن صالح السليمي:
يقول سعادة الشيخ احمد بن سعود السيابي ـ الأمين العام بمكتب الإفتاء: إن الهجرة النبوية تعتبر ركيزة الهوية الإسلامية لهذه الأمة ودعامة لبناء كيانها لذلك اتخذها المسلمون على عهد خليفتهم الفاروق ـ رضي الله عنه ـ مرتكزاً تاريخياً بنوا عليه تحركاتهم وتصرفاتهم، كما كانت سجلاً وثائقياً لحركة الأمة حفظ لها أمجادها وحضارتها، ولعله من المناسب أن نشير بالقول إلى ان ذلك الاعتماد التاريخي الذي اتخذ من الهجرة النبوية أساسا له جاء منسجماً مع الشهور القمرية التي تواضع عليها العرب قبل الإسلام بعد ان طوروها أسماء ودلالات حتى كان ذلكم التواضع العربي في سموها الحضاري مؤيداً من الوحي الإلهي، لهذا يجب على هذه الأمة ان تحافظ على هذا التاريخ او التوقيت المرتبط بهجرة نبينا وسيدنا ورسولنا العظيم محمد (صلى الله عليه وسلم) والرعيل الأول من صحبه الكرام الغر الميامين الذين شادوا كيان الامة وكرسوا لها هويتها، فلا ينبغي التفريط في التمسك بتاريخنا لانه من ثوابت الإسلام وثوابت الأمة الإسلامية.
موضحاً سعادته بأن الهجرة حدث عظيم في التاريخ الإسلامي وان لها معنى كبيرا في الفكر الإسلامي وذلك ان معنى الهجرة هو هجر كل شيء يخالف عليه الإسلام أي ان على المسلم ان يترك الشرك بالله تعالى والكفر بأنبيائه ورسله وان يترك الإيذاء والشرور والآثام وكل سلوك سيئ وشائن، يقول الرسول (صلى الله عليه وسلم):(فمن كانت هجرته الى الله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها او امرأة ينكحها فهجرته الى ما هاجر اليه).
موضحاً سعادته بأن الله قد جعل الهجرة ملاذاً للمؤمنين وملجأ يلجئون اليه كلما اشتدت عليهم الشدائد والمحن،(إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا، إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا ، فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا، وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) (النساء 97 ـ 100).
مشيراً إلى أن حدث الهجرة النبوية الشريفة سيظل ويبقى الحدث الأهم والأبرز في تاريخ الإسلام باعتباره حدثاً مرتبطاً بهوية الأمة الإسلامية وبناء كيانها الراسخ الشامخ، فنتيجة لهذا الحدث العظيم تكوّن المجتمع الإسلامي وقامت الدولة الإسلامية وانتشرت الرسالة الإسلامية التي أشرق ضياؤها على الآفاق وعظم نورها أرجاء المعمورة.
وقال السيابي: ان هذه هي المدرسة النبوية المحمدية التي تمخضت عن تلك الهجرة الشاقة والمباركة في آنٍ واحد، أليس جديراً بهذا الحدث العظيم الا وهو حدث الهجرة النبوية الشريفة من مكة المكرمة الى المدينة المنورة ان يكون سجلا لتاريخ الأمة الإسلامية.
مشيراً سعادته الى ان الهجرة من مكة المكرمة الى المدينة المنورة ـ حرسهما الله تعالى من كل سوءٍ ومكروه ـ لم تكن انتقالاً من مكانٍ إلى مكان بل كانت هجرة حياة ملؤها الشرك بالله وعبادة الاوثان وفيها تعذيبٌ قاسٍ للمؤمنين الى حياة ملؤها الإيمان بالله وحده لا شريك له وفيها راحة وطمأنينة للمسلمين لذلك فان الهجرة النبوية (على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم) أحدثت نقلة كبرى في تاريخ البشرية وحققت انجازات كبيرة للإنسانية أهمها: الإيمان بالله تعالى رباً خالقاً والايمان بالغيب وما فيه من ثواب وعقاب والإيمان بالكتب الربانية والأنبياء والمرسلين وهذه أساسيات العقيدة الاسلامية وكذلك التخطيط العمراني المتمثل في بناء المسجد النبوي الشريف وما حوله من المنازل والدور والطرق للنشاط الاقتصادي، ولا ننسى مبدأ (الإخوة) ويعتبر القاعدة القوية والأساسية لبناء الوحدة الإسلامية كدليل تطبيقي حي على (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء ـ 92).
مبيناً سعاته هنا بأن المهاجرين والانصار قد ضربوا أروع الأمثلة في الإخاء والتلاحم والإيثار، وهناك ايضا من تلك المبادئ الهامة (المواطنة) وهي التي نصت عليها صحيفة المدينة التي هي أول دستور إسلامي ولعلها أول دستور عالمي في مضمونها ومحتواها، فقد بينت حقوق المواطنة والعيش المشترك بين افراد المجتمع المدني على اختلاف أعراقهم وأديانهم، حيث ما لكل واحد او جماعة من الحقوق وما عليهم من الواجبات وهو تطور عالي المستوى تشهده الانسانية في تاريخها الطويل، فلهذه المعاني السامية ندرك سر إطلاق النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم) على بلاد المهجر الإسلامي اسم (المدينة المنورة) بعد ان كان اسمها (يثرب وطيبة) ولا ريب ان في هذه التسمية دلالة عظيمة توحي وتؤذن بانطلاق المدنية الإسلامية ذات البعد الحضاري الرائع، وعلى ان الإسلام هو دين المدنية والحضارة لذلك كانت المدينة المنورة قاعدة انطلاق تلك الحضارة ببعدها الإيماني والمادي لتعم الكون وتغطي الكرة الأرضية ناشرة العدل والرحمة والأمن والأمان.
وقال: لقد دفع الله بالمسلمين وأمرهم بالهجرة وأذن لهم في القتال كل ذلك لحماية البشرية ومقدساتها الدينية، يقول الله تعالى في (سورة الحج ـ الآية (40):(الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز).