[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]
ضمن فضاء التبشير القائل (إن الإصغاء والتشاور مع الآخرين هو ما يشرف المعنيين في إدارة شؤون بلدانهم)، تظل المجموعة السياسية الرباعية التونسية التي نالت جائزة نوبل للسلام لعام 2015 عنوانًا من عناوين هذا التبشير، تكريمًا لجهدها في إشاعة وترسيخ قيم الحوار لإيجاد مقاربات تصون تونس من التشظي والتطاحن، وتعزز منهجًا سياسيًّا وأمنيًّا قائمًا على التواصل الجاد بين جميع الأطراف في مختلف انتماءاتهم المناطقية والسياسية والدينية وغيرها، والعمل على أن يكونوا في منأى عن مخاطر القطيعة والتباعد والنفور التي باتت مع الأسف لافتة مؤلمة للحياة السياسية في عدد من البلدان العربية، ما أضاع الكثير من فرص الاستبسال في لمواجهة التحديات الكبيرة المحدقة بها.
لقد صار واضحًا جدًّا أن لا بديل عن الحوار الجدي وتقبل الآخر والانصياع إلى منطق التماسك؛ لأن التفتت كما يقول المستشرق الفرنسي جاك بيرك "يزيف الحقيقة". وإذا كان المرشح المزمن لجائزة نوبل الشاعر العربي أدونيس قد أخذ علينا أننا ضحايا الهيام بنزعات الانشقاق والرفض والقطيعة بيننا وتكريس المبايعات لهذا الطرف أو ذاك على أساس الانتماء الطائفي والمناطقي، فإن عليه الآن أن يلتقط هذا الحدث الجديد في الحياة العربية، ويعيد النظر في الأحكام السابقة العامة التي أطلقها ليؤسس للشيء بمقتضى تشخيصه في مواجهة أن ما قاله سابقًا لا يمثل حكمًا مطلقًا، ولكن العرب تنقصهم إلى حد الآن مهارة الإنصات، وبالمقابل لا ينقصهم الحلم وحصافة الاندماج في أعمال مشتركة تضع حدًّا لنزعات التشاتم والتسابب أو التحارب وتعميق الخصومات.
إن البيت السياسي في البلد العربي الواحد، أو في إطار المجموعة العربية يستطيع أن يزيح عن كاهله الإدمان على التبشير بالآنية والتجريب، والانتقال السريع من أقصى الولاء لهذا المنهج من منهج آخر تحت نزعة الانغلاق، وليس في إطار الانفتاح على الآخرين بهدف إيجاد مرتكزات مشتركة، وتعزيز الاندماج الضامن للوحدة.
إن النخبة التونسية التي حصلت على جائزة نوبل للسلام تستحق منا التعرف الدقيق على المبادئ التي وظفتها، ومن الممكن جدًّا انسحاب ذلك لتأسيس مجموعات عمل بهدف معالجة أوضاع الاقتصاد العربي أيضًا، إذا أخذنا بحقيقة أن هذه الأوضاع هي بحاجة إلى إجراءات انتشال من خلال وجود إطار واضح يضع بالاعتبار أهمية صيانة المعالم الإيجابية للتنمية، واستحداث معالم جديدة رافدة لها في ضوء مقاربات وفق الإملاءات الوطنية مع الإفادة من الشروط العالمية التي حددتها رؤية المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة.
إن هناك من يرى بعين واحدة ما نحن عليه من أوضاع سياسية واجتماعية وانشغالات أمنية قاسية، تجعلنا عالقين بنوع من السياسات المتلائمة مع متطلبات العيش على حافة الاستقرار، وهكذا نقع بوهم أن من الحتمي أن نكون هكذا اقتصاديًّا، بمعنى أن نكون على الحافة بين الإفلاس والإثراء النسبي، وبين التنمية المنهجية المستدامة ومتطلبات الاستهلاك، أي بذات الوهم، أن تكون لدينا استحقاقات لإشباع الحاجات بذريعة أننا نعيش في عالم استهلاكي بالنسخة المتمثلة بالسياسات الإرضائية، وهكذا تنافرت الكثير من النشاطات الاقتصادية العربية.
إن ما أنجزته المجموعة الرباعية التونسية التي نالت جائزة نوبل للسلام عام 2015 ينبغي أن تستدعي منا البحث عن مقاربة للعام القادم 2016 ضمن الأسئلة الآتية: هل يوجد اقتصاد عربي واحد لم تجرحه ظاهرة العجز في الموازنات والوقوع في انتظارات الديون؟ هل نملك للعشر السنوات المقبلة رؤية تنموية تضع في الحسبان أن البيئة العربية ستكون أكثر تعبًا وعدم قدرة على الإصحاح مع شحة في الإمكانيات الإنتاجية المؤثرة إقليميًّا وعالميًّا؟ هل لدينا أرصدة مالية احتياطية كبيرة تجعلنا في اطمئنان من قلة الاعتماد على تقلبات الريع المالي السنوي؟
إن الأمر يحتاج منا إلى مجموعة نخب تضع في الاعتبار هذه الأسئلة وتشتغل على إيجاد إجابات شافية لها، تنير لنا إمكانية إحلال فرص حقيقية للنشاطات التنموية الناجحة، وقد يأتي يوم ما تلتفت فيه لجنة نوبل إلى مجموعة، أو شخصية من هذا النوع تمامًا كما التفتت إلى العديد من الاقتصاديين الذين أسهموا في تأهيل بلدانهم تنمويًّا.