الزيارة المزمعة لجون كيري وزير الخارجية الأميركي إلى المنطقة ليست من أجل إيقاف جرائم الحرب والإرهاب الإسرائيلية المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، وليست من أجل استئناف المفاوضات وفق جدول زمني ووفق قضايا الحل النهائي، وإنما تأتي لتأكيد موقف الولايات المتحدة المؤيد لكيان الاحتلال الإسرائيلي وجرائم حربه وإرهاب بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، وإعادة تكرار هذا الموقف وإسماعه للفلسطينيين خاصة وللعرب عامة الذين لا يزالون يتوهمون أن الولايات المتحدة صديقة وحليفة لهم وأنها مدافعة عن حقوقهم وقضاياهم.
لقد استبق وزير الخارجية الأميركي موعد زيارته بإعلان مضمونها بالتأكيد على دعم بلاده المطلق لأقذر احتلال عرفته البشرية بالعنوان الكبير "حق إسرائيل في الدفاع عن وجودها" وإدانة ما تسميها "الهجمات الإرهابية "الفلسطينية" ضد المدنيين "الإسرائيليين" الأبرياء"، معيدًا القول في كلمة له أمام جامعة انديانا الأميركية "سنظل ندعم حق إسرائيل في الدفاع عن وجودها". في تجاهل تام ومقصود لجرائم الحرب الإسرائيلية التي فاقت جرائم النازية بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، من عنصرية مقيتة واغتيال وإعدامات ميدانية المتعمدة واعتقالات بالجملة، وهدم منازل المواطنين الفلسطينيين بحجة قيامهم بطعن إسرائيليين.
إذًا، المنطقة عامة وفلسطين المحتلة خاصة بانتظار زيارة وزير القوة العظمى راعية السلام، وعضو اللجنة الرباعية الدولية لسلام الشرق الأوسط، للتوقيع على صكوك إسرائيلية لمواصلة النازية الجديدة في المنطقة والمتمثلة في كيان الاحتلال الإسرائيلي جرائم الحرب والإرهاب والعنصرية والتهجير ونسف منازل الفلسطينيين على رؤوسهم، والضغط على السلطة الفلسطينية من أي تحرك خارج الموقف الأميركي المؤيد لجرائم الاحتلال الإسرائيلي، أو يجرح في شرعية الصكوك الممهورة بتوقيعات وأختام الولايات المتحدة راعية عملية السلام في المنطقة، و"الصديق المخلِص والمخلِّص" للعرب.
إن الممارسات "الإسرائيلية"، سواء تعلقت بالمسجد الأقصى، أو تعلقت بهدم منازل المقدسيين أو الاستيلاء عليها، أو تعلقت بشرعنة البؤر الاستيطانية في المدينة، وسواء جاءت من المستوطنين الإرهابيين أو من المتدينين المتطرفين، أو من جهات قضائية أو حكومية رسمية، لا تتم كلها فقط بعلم وحماية الجيش والشرطة "الإسرائيلييْن"، وبضوء أخضر من حكومة المتطرف بنيامين نتنياهو، وإنما أيضًا تتم بعلم وضوء أخضر أميركييْن عبر العنوان العريض والكبير "حق "إسرائيل" في الدفاع عن وجودها". والمفارقة الصارخة والفاضحة، التي تبين مدى الكذب وفائض النفاق هي توجيه الاتهام للأعزل والمحاصر داخل البيوت والمعتقلات وهو الشعب الفلسطيني الذي يتعرض للإبادة اليومية وقضيته للتصفية، أنه يهدد وجود كيان الاحتلال الإسرائيلي وبقاءه، وتبرئة المدجج بأعتى أنواع الأسلحة وأخطرها وأشدها فتكًا، ويمارس جرائم تفوق جرائم النازية وهو المحتل الإسرائيلي.
إن تلك التصريحات لوزير الخارجية الأميركي جون كيري لا تخرج عن تصريحات سابقيه، وتؤكد أن الولايات المتحدة مهما أعلنت وتحدثت عن القيم والمبادئ والديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان وخاصة في المنطقة، فإنها لا تتحدث عن ذلك إلا وفق ما تقتضيه مصالحها الخاصة ومصالح حليفها الاستراتيجي كيان الاحتلال الإسرائيلي ويضمن بقاءه وأمنه، لأنها تعلم جيدًا أن الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان إذا ما تحققت في المنطقة، فأولى نتائجها زوال الاحتلال الإسرائيلي عن الأراضي العربية، ووسائل الابتزاز والتحايل المتبعة من الولايات المتحدة وعموم الغرب ضد حكومات المنطقة وتحديدًا الموالية لها.