[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
ليس الرئيس الروسي بوتين من الذين يهوون المغامرات ولو انه بتركيبته ذي روح مغامرة، لكنه في السياسة الوطنية لاعب من الطراز الرفيع، وباذخ ايضا. فهو روسي حتى العظم، مركب من ماض بعيد وماض قريب مستقل المستقبل. قراراته مصالح روسيا، وانموذجه في اكثر من مكان آخره سوريا ..
الذين ينتظرون دوره في اوكرانيا عليهم ان يعلموا انه لم يبدأ بعد وان كانت حركة جيشه تنبئ بالعكس، لكنه ما زال يلاعب آخرين من خارج السياق الجغرافي والتاريخي، يريدون الاعتداء على اعصاب روسيا وعلى قبلتها وعلى مطلها الوحيد الذي يحرك اسطولها وهو البحر الأسود.
هذه النقاط الحساسة أمنها بوتين خلال الأيام الماضية، وهو يعرف مدى التصاق الجغرافية الأوكرانية بجغرافيته، ومدى اتساع التاريخ الروسي للامتداد الأوكراني فيه. ليس علما، ولكنه يؤرخ إلى بعد بعيد ينساه الاميركي القادم من انسحاقات افغانستان والعراق ومن تعب الاقتصاد الذي تلا ذلك.
يفكر بوتين بتقسيم اوكرانيا على اساس انهم من يريدون تقسيمها، ذلك الخطأ الذي لن يسمح به على الأقل في الوقت الحاضر، ويفكرون ايضا بأن يتقدم جيشه ليسبح في مسافات اوكرانيا إلى حدود نهر دنيبر الذي يفصلها إلى جزأين، لكنه لن يفعلها. سيفعل ماهو روسي اوكراني، اي الجمع بين الجغرافيا والتاريخ، ضمن وحدة الارض الاوكرانية. واذا ما التقى اليوم وزير الخارجية الاميركي جون كيري بالقياد الاوكرانية في كييف والتي لا تعترف بها موسكو، فسيكون عليه ان لا يتحدث امامه او للصحافة عن حرية الشعوب وهي بلاده من تدخل في افغانستان واحتل العراق بعدما مشت القوات الاميركية آلاف الاميال. فلا يحق لهذا القادم من ذلك البعد ان يقدم شرحا في حق الشعوب، وهو لم يستشر عندما احتل، بل لم يهدده الروس عندما احتل بحصار اقتصادي.
فتحت ازمة اوكرانيا الباب على نسيان أزمة ما زالت قائمة، لروسيا علاقة بالأزمتين وتكادان ان تكونا في لب مصيرها الوطني. الملفان منفصلان عن بعض، ولكل منهما خصوصيته، فلا تخلي عن سوريا في وقت تظلل اوكرانيا تفكير بوتين وقراراته التي اذا ما لعب الاميركي خطأ فيها فلسوف يدفع اثمانا لن يقدر عليها، واكاد اجزم ان هذا الاميركي سيظل يزبد ويرعد من بعيد، فيما اوروبا العجوز تتأمل مشهد القوي حين يُعتدى على وطنيته.
يعرف الاميركي والاوروبي اذن كيف تنتصر الجغرافيا ومن يربحها هو من يمتلئ صدره بهوائه الوطني، الاقرب الاوكراني هو الروسي، والعكس هو الصحيح .. فالطرفان يتعانقان على اساس لا انفكاك بينهما، ويعرف بعض النائحين على حقوق الانسان ان روسيا اعطت لأوكرانيا كل الحقوق التي تستحقها كدولة ذات سيادة، لكن الأخطار حين تحدق بها فعلى الروس وحدهم الملامة ان لم يتحركوا لدرئها.
واخيرا وليس آخرا، تعرف اوروبا انها لن تنقذ اوكرانيا من افلاسها الرهيب، وان الاميركي لا يملك جوابا اذا ما سئل عن انقاذ اوكرانيا، وحدها روسيا من يملك الجواب، ووحده بوتين جاهز لقول وفعل يخص الجغرافيا التي صنعت التاريخ الواحد.
واما رحلة كيري اليوم الى كييف فلا سبيل لها سوى الانصات لأنه لا يملك في أزمة كبرى كهذه سوى أذنه.