[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedaldaamy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أ.د. محمد الدعمي[/author]

”لقد بالغ بعض المتحدثين عبر الإعلام الأميركي في انتقاد الرئيس اوباما، درجة أنهم راحوا يتندرون بقوله إن "روسيا ستدفع ثمناً إذا ما تدخلت عسكريًّا"، بمعنى: ما هو هذا الثمن الذي يخيف الرئيس بوتن ويجعله يتراجع "مذعوراً" من توعد أوباما؟ لقد عد أحد المعلقين الأميركيين تصريح أوباما هذا من "مخلفات لغة القرن التاسع عشر"!”
ـــــــــــــــــــــــــــ
على الرغم من أن المرء غير مؤهل لنقد رجل مثل الرئيس باراك أوباما الذي يقود أكبر وأقوى دولة في العالم، إلا أنه يتعرض الآن للنقد على نحو متواصل في بلده وبشكل يخلو من الرأفة بسبب ما حدث في أوكرانيا وطريقة تعامله مع هذه الأزمة الثقيلة الأبعاد.
لقد تركز النقد، الجارح أحياناً، على ما عكسه أوباما من ضعف ينطوي على تراجع موقع الولايات المتحدة، قطباً واحداً، لصالح مشاركة روسيا معها. بل إن ما زاد من تعقيدات موقف الرئيس أوباما هو أن التحدي الروسي للعالم الغربي وللولايات المتحدة خاصة جاء بعد بضعة أيام من إعلان الإدارة الأميركية تقليص عدد القوات الأميركية إلى أدنى حد منذ ما قبل الحرب العالمية الثانية. وإذا كان هذا القرار قد مرر على أساس الاستغناء عن عدد العسكريين الكبير عن طريق امتطاء التكنولوجية واعتماد الحرب الإلكترونية Cyber War، إلا أن القرار لم يمر دون أن يترك أشباحاً من الخوف في دواخل الأميركان الذين يعون أن أدوار القوات المسلحة لديهم كونية الأبعاد والتشعبات، وليست محلية، خاصة وأنها تضطلع بحماية دول وأنظمة عديدة عبر العالم، بمعنى أن تقليص عدد الجند لا يمكن أن يمر دون ملاحظة المتربصين بالسطوة وبالجبروت الأميركي عبر العالم.
في هذه اللحظة التاريخية، اغتنم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتن، فرصة جنوح أوباما إلى الضغط على "الدفاع" من أجل زيادة الإنفاق على معالجة وحل المشاكل الاقتصادية الداخلية، فكان توقيت نشر قوات روسية في القرم وفي أجزاء أخرى من أوكرانيا على درجة عالية من الانتهازية والذكاء، خاصة وأنه جاء في سياق تكرار الإدارة الأميركية نياتها سحب ما تبقى لها من قوات في أفغانستان نهاية هذا العام، ناهيك عن المزيد والمحسوس من نفض ايدي القوات المسلحة من التزامات أخرى عابرة للقارات.
وهكذا وضع أوباما نفسه في مرمى مدفعية النقاد، ليس من قبل منافسيه الجمهوريين فقط، بل من قبل الصحفيين والخبراء المستقلين كذلك، هؤلاء الذين راحوا يمطرونه بالقنابل والمتفجرات على نحو كثيف، وكأنهم كانوا يحتزنون الكثير من الغيض ضده، في انتظار الفرصة المناسبة لتفريغ شحنات عواطفهم العدائية ضده. لأول مرة يمكن للمرء الذي يتابع برنامج الـCBS الشهير المعنون "واجه الأمة" أن يلاحظ عدم تردد أو تحرج صحفيين وباحثين من التجريح بالرئيس على الملأ، وكأنهم يجرحون فناناً أو مديراً لشركة أزياء! لقد أعلن بعضهم بصراحة ان موقف أوباما حيال الاندفاع العسكري الروسي في أوكرانيا كان بدرجة من الضعف والهوان أنه لن يحرك قيد أنملة من قرار الروسي غزو أوكرانيا، وبكلمات أخرى، استدر موقف أوباما المتهاون المخاوف من خسران أميركا موقعها كقوة ردع عالمية.
لقد بالغ بعض المتحدثين عبر الإعلام الأميركي في انتقاد الرئيس اوباما، درجة أنهم راحوا يتندرون بقوله إن "روسيا ستدفع ثمناً إذا ما تدخلت عسكريًّا"، بمعنى: ما هو هذا الثمن الذي يخيف الرئيس بوتن ويجعله يتراجع "مذعوراً" من توعد أوباما؟ لقد عد أحد المعلقين الأميركيين تصريح أوباما هذا من "مخلفات لغة القرن التاسع عشر"! وهذا، بطبيعة الحال، نقد ينطوي على أن أوباما لا يجايل عصره وإنما يجايل عصر طللي لا يصلح كمنظور لتفحص عالم اليوم والتعامل معه.
وقد ذهب أحدهم، متهكماً، إلى التساؤل: ما الذي يمكن أن يفعله أوباما لبوتن إن تجاوز وتدخل عسكريًّا في أوكرانيا، بمعنى أن أوباما بلا أدوات، ومقيد في هذا المجال، خاصة وأن روسيا ليست كإيران أو العراق سابقاً، فهي دولة قوية وغنية وقادرة على تجاوز كل ما من شأنه أن يضعفها، بغض النظر عما يمكن لواشنطن أن تفعله. هل سيقاطع الرئيس أوباما اجتماعات مجموعة دول الثماني القادم؟ ولكن ما مدى تأثير ذلك على قرار روسيا؟
يبدو للمراقب أن الأميركيين قد ملّوا سياسة التهدئة والتخفيض العسكري طوال المرحلة الماضية، خاصة وأن مفاجأة مثل تلك التي تقدمها روسيا اليوم لأميركا تشكل "رجة وعي" من العيار الثقيل الذي يذكر الأميركان، إدارة وكونجرس، بضرورة استعادة هيبة أميركا التي تجاوزها الاتحاد الروسي بلا أدنى مبالاة.