تنظمه الجمعية الاقتصادية العمانية ويستمر يومين
ـ محمد الحارثي: التركيز على التنمية الاجتماعية تأتي في مقدمة الأولويات للمرحلة القادمة

كتب ـ سامح أمين:
بدأت أمس أعمال مؤتمر "التنمية الاجتماعية بين المزايا والاستدامة" والذي تنظمه الجمعية الاقتصادية العمانية بقاعة المحاضرات بجامع السلطان قابوس الأكبر ببوشر ويستمر يومين.
ويهدف المؤتمر إلى مناقشة اهم التحديات التي تواجه التنمية الاجتماعية في السلطنة عبر تعريف التنمية الاجتماعية التي يمكن من خلالها تحقيق التنمية المستدامة في السلطنة واقتراح اهداف وبرامج خاصة للتنمية الاجتماعية وتدارس العلاقة بين التنمية الاجتماعية والتنمية الشاملة واستشراف منهجية العمل المطلوبة لتحقيق التنمية الاجتماعية والاستفادة من تجارب وخبرات الدول في تحقيق التنمية الاجتماعية من اجل تنمية مستدامة.
وألقى الشيخ محمد بن عبدالله الحارثي رئيس مجلس إدارة الجمعية الاقتصادية العمانية كلمة الجمعية في افتتاح المؤتمر قال فيها إن التنمية الاجتماعية ليست مجرد عملية تقديم بعض الخدمات الاجتماعية فهي تتجاوز ذلك لتصل إلى تغيير البناء الاجتماعي القائم وإحلال بناء اجتماعي جديد قادر على مسايرة متطلبات العصر الحديث وقادر على إشباع حاجات ومطالب الأفراد بجانب أمنها.
وأضاف رئيس مجلس إدارة الجمعية الاقتصادية العمانية أنه في ظل عدم الاستقرار الاقتصادي الراهن وما تواجهه السياسات المالية من ضغوطات في الدول المصدرة للنفط الخام بالمنطقة، فإن أهمية التركيز على التنمية الاجتماعية تأتي في مقدمة الاولويات للمرحلة القادمة وذلك لما تشكله من أهمية بالغة في تحقيق الأمن الاقتصادي والسياسي، وعليه قررت الجمعية الاقتصادية العمانية تخصيص مؤتمرها السنوي لاستشراف منهجية العمل المطلوبة لتحقيق التنمية الاجتماعية المنشودة ولإلقاء المزيد من الضوء على الموضوع وللإجابة على التساؤلات المطروحة من خلال دعوة الخبراء والمتخصصين والمهتمين من خارج وداخل السلطنة لمناقشة سياسات التنمية الاجتماعية وعلاقتها بالتنمية المستدامة والاستفادة من تجارب وخبرات الدول من خلال المحاور التي حددتها للمؤتمر بما يخدم الأجيال القادمة، خاصة وأن الكثير من الدراسات تحذر بأن دول الخليج المصدرة للنفط تعاني من خلل اقتصادي وخلل اجتماعي مزمن عواقبه وخيمة على النمو والاستقرار ولا يمكن استدامته على المدى المنظور المتوسط والبعيد، فالخلل الاقتصادي يتمثل في استمرار الاعتماد المتزايد على واردات النفط على الرغم من تبني سياسات وبرامج لتنويع قاعدة الإنتاج الاقتصادي منذ أكثر من أربعة عقود.
وأوضح أن منطقتنا تواجه الكثير من الاشكاليات الاقتصادية التي تختلف بطبيعتها عما هو عليه الوضع في الكثير من الدول الأخرى حيث إن نموذج الميزانيات العامة المتعارف عليه، وكما هو الحال في العديد من الدول المتقدمة اقتصاديا كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وكذلك الدول النامية الأخرى يتسم بوجود علاقة مباشرة بين الأداء الاقتصادي والإيرادات في الميزانية العامة، كلما ارتفع معدل النمو الاقتصادي زادت الإيرادات العامة. وبالمثل العلاقة بين المصروفات والإيرادات العامة، عندما تزداد مصروفات الدولة في الاقتصاد الوطني يوجد ذلك طلباً إضافيا يساهم في زيادة معدل النمو الاقتصادي، وينتج عن ذلك زيادة الدخل والذي يتحول جزء منه إلى إيرادات إضافية في الميزانية العامة للدولة عبر آلية الضرائب والتي تقوم الدولة فيما بعد بإنفاقه لتتواصل الدورة الاقتصادية عبر ما يسمى بالمضاعف الاقتصادي Multiplier.
وأضاف محمد الحارثي أنه بينما يتمثل الاختلاف في نموذج الميزانيات العامة في دول مجلس التعاون الخليجي في أن جانب الإيرادات في الميزانيات العامة الخليجية يمثل متغيراً خارجياً Exogenous Variable يصعب تحديده لكونه يخضع لعوامل خارجية وخاصة فيما يتعلق بأسعار النفط، أما جانب المصروفات فيمثل متغيراً داخلياً Endogenous Variable تحدده سياسة الدولة فيما يتعلق بمقداره وتوزيعاته ومعدلات نموه.
وأشار إلى أنه وفق النموذج الحالي فإنه حتى في حالة افتراض ثبات سعر النفط وليس انخفاضه كما هو الوضع الآن، فإن زيادة الانفاق وخاصة الإنفاق الجاري، أو الانفاق على الأنشطة غير المدرة للعوائد المجزية على المدى القريب أو المتوسط سيؤدي إلى الدخول في ما يسمى بفخ المديونية العام وخاصة ضمن ظروف تراجع معدل النمو الاقتصادي بأقل من معدل الفائدة على الاقتراض وخاصة الاقتراض الخارجي وبالتالي زيادة معدل نمو عجوزات الميزانيات العامة وتزايد نسبة الدين العام، مما يترتب على ذلك تحوله إلى عجز دائم لا يمكن التخلص منه إلا بالحصول على إيرادات إضافية جديدة أو تقليص في جانب النفقات التحويلية موضحا أن التحدي الاقتصادي لدولنا يتمثل في عدم معالجة خطورة الإشكالية بين زيادة الإنفاق الحكومي والسقوط في فخ المديونية العامة، وطرح هذه الإشكالية لا يمثل بالضرورة الدعوة إلى تخلي الدولة عن دورها في استعادة النمو الاقتصادي عن طريق الإنفاق الحكومي، كما انها ليست دعوة لتبني نظام الضرائب المباشرة، ولكن محاولة للبحث عن آليات جديدة يشترك فيها المجتمع ككل في تمويل التنمية المستدامة، علما أن الفكر الاقتصادي مليء بالخبرات والتجارب التي يمكن الاستفادة منها بما يفيد تنمية اقتصادنا وضمن خصوصية نموذجنا الاقتصادي.
وقال إن التنمية الاقتصادية لا يمكن أن تقوم في غياب سوق عمل وسوق رأس مال ناضج وقوي، حيث إنه من المتعارف عليه ان قطاع سوق العمل وقطاع البنوك من الدعامات الأساسية للاقتصاد الوطني والتي تلعب دوراً محوريًّا في التنمية باعتبارهما من أهم عوامل الإنتاج التي يقوم عليها الاقتصاد، في المرحلة السابقة عوضت قوة سوق رأس المال النسبية عن ضعف قطاع سوق العمل وتشوهاته، ومع التحديات الجديدة الناجمة عن انخفاض اسعار النفط واثاره السلبية المحتملة على القطاع المصرفي من الضروري استباق الأحداث وتعديل بعض السياسات النقدية تجنباً للمخاطر التي ستترتب على ذلك فالاقتصاد لن يتحمل غياب الدور الفاعل للسوقين في وقت واحد، ومن ناحية أخرى ما يحتم ضرورة سرعة اصلاح سوق العمل الأوضاع الحالية المتمثلة في عدم قدرة الحكومة على استيعاب المزيد من الموظفين، ومحدودية قدرة القطاع الخاص على توليد فرص عمل جديدة في ظل بيئة العمل الحالية، لقد أدى نظام التعمين الحالي دوره ووصل إلى مرحلة الجمود ولم يعد قادرًا على الاستدامة ولا تحقيق أهدافه فهو لم يتمكن من تحقيق أهدافه في السنوات العشر الماضية حيث انخفضت نسبة العمانيين العاملين في القطاع الخاص مقارنة بإجمالي العاملين في القطاع بسبب افتقاد النظام للمرونة في التعامل مع التغييرات التي تطرأ في السوق وتؤدي إلى زيادة الأيدي العاملة الوافدة، ومن المؤكد كذلك أنه لن يكون بوسعه الصمود في السنوات المقبلة بسبب اعتماده على نسب غير واقعية والافتقار للمنهجية العلمية، وأصبح العائق الرئيس امام توفير فرص عمل حقيقية وجديدة للمواطنين، وامام نمو القطاع الخاص وبالتالي تحقيق أهداف التنمية الاجتماعية، وهنالك حاجة ماسة لتغييره تغييرا جذريا بهدف توسيع القاعدة الانتاجية وإيجاد فرص عمل حقيقية للعمانيين الباحثين عن عمل والداخلين إلى سوق العمل لأول مرة خلال الفترة الممتدة بين الآن وسنة 2020م.
عقب ذلك بدأت جلسات العمل حيث كان المحور الاول حول محددات التنمية الاجتماعية بين تدوير ثروات النفط عبر مزايا اجتماعية متنوعة وتحقيق تنمية مستدامة حيث قال الدكتور زياد عبد الصمد المدير التنفيذي لشبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية في مداخلة بعنوان بين اهداف التنمية المستدامة وتحديات التنمية العربية ان دول وشعوب العالم دخلت في حوار حول اهداف التنمية المستدامة استمر لأكثر من خمس سنوات وادى إلى اقرار وثيقة في الجمعية العامة للأمم المتحدة تتضمن خلفية واهداف تنموية وآليات لمتابعة التنفيذ، وقد سبق ذلك قمة انعقدت في يوليو الماضي في اديس ابابا حول "تمويل التنمية" لتتكامل الجهود في المسارين لمواجهة التحديات التنموية التي تعيشها دول العالم في القرن الحادي والعشرين مسلطا الضوء على ابرز العناوين التي توقفت عندها الوثيقة الدولية وتحدياتها من الاشارة الى ابرز النقاط الخلافية من خلال قراءة نقدية، مع الاخذ بالاعتبار التحولات في التوجهات الدولية حول القضايا التنموية منذ اعلان الالفية للتنمية عام 2000 وصولا إلى اقرار الوثيقة حول التنمية المستدامة عام 2015.
وفي ورقة بعنوان (من مفارقات التنمية والثقافة الاجتماعية في السياق العربي) للدكتور فايز الصياغ مستشار تقارير التنمية الانسانية العربية وتقارير المعرفة العربية السنوية الصادرة عن الأمم المتحدة ناقش الصياغ جوانب من ظاهرة التلكؤ الثقافي التي تشير إلى الفجوة أو التناقض بين جملة من المنظومات القيمية الثقافية التقليدية التي توجه أنماط السلوك والممارسات في المجتمعات العربي أو قطاعات منها من جهة، ومظاهر التنمية المتحققة في مجالات الحياة المادية العيانية الملموسة اقتصاديا وتعليميا وتكنولوجيا من جهة أخرى. وتبين المناقشة أن المفارقة بين تلك المنظومة القيمية ومنجزات العملية التنموية تطرح تحديات اجتماعية جدية قد يسفر استمرارها عن أزمات عظيمة الخطر مثل الانفجار السكاني، أو متلازمة الفقر (البطالة المقنعة) الهجرة الإقليمية والدولية. وتتطلب مواجهة هذه التحديات سلسلة متكاملة من برامج العمل الاستراتيجية التي تنَفّذُ مرحليا بالتنسيق بين القطاعين العام والخاص. وتقترح الورقة عددا من الخطوات والبرامج التي يمكن الأخذ بها للمساهمة بتحقيق هذه الغاية.
كما قدم الدكتور اديب نعمة مستشار اقليمي باللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسبا ـ (الاسكوا) مداخلة بعنوان: التنمية الاجتماعية ـ الاطار المفهومي والمكونات تطرق خلالها الى تقديم تعريف عملاني للتنمية الاجتماعية، وربطها بمفهوم التنمية البشرية المستدامة. كما عرض للمقاربات المختلفة للتنمية الاجتماعية في ضوء النقاشات الراهنة، وكيف تم تناول الموضوع في وثائق اجندة التنمية لما بعد 2015.
وفي ورقة بعنوان الحوكمة والمساءلة في المؤسسات الاجتماعية للمتحدث صلاح الغزالي مؤسس جمعية الشفافية الكويتية، تم تناول أصحاب المصلحة المستفيدين من تطبيق الحوكمة، وأطراف الحوكمة وتشمل القوانين واللوائح، الجمهور (طالبي الخدمة، الوزير) مجلس الإدارة، ديوان المحاسبة، مكتب التدقيق، المناقصات المركزية، هيئة مكافحة الفساد، الوكيل والوكلاء المساعدون، المديرين والموظفين، الفتوى والتشريع، المجلس الأعلى للتخطيط
وقدمت الدكتورة فاطمة بنت أنور اللواتي ورقة عمل تطرقت خلالها الى الأصول المادية لتطور الحياة الإجتماعية للبشر غير ثابتة، فهي تتغير بتغير العوامل البيئية والاقتصادية وغيرهما من العوامل على المستويين المحلي والعالمي. إلا أن هذه الأصول تخضع أساسا للعامل البشري الذي هو المحرك الأساسي في إنتاج تلك الأصول المادية التي تسهم في رفاهية الحياة البشرية. لكن ماذا عن الأصول غير المادية في التنمية الاجتماعية للمجتمعات البشرية؟ الأصول غير المادية هي أيضا نتاج للعامل البشري، فهو المحرك والممول لها عبر العقول التي أودعها الله سبحانه وتعالى في أولئك البشر. فلولا تلك العقول لم يكن ليتم حفر تلك الآبار وبناء تلك الأفلاج. ولما اكتشف الإنسان الكهرباء وغيرها من الوسائل التي تزخر بها الحياة، ولما كنا في الرفاهية التي نحن فيها الآن. فالحاجة والطموح المتأجج مع ذلك العقل النير هما اللذان قادا أولئك العلماء والنوابغ ليهيئوا للإنسان مستوى متميزا في حياته.
وفي ورقة بعنوان "جسور، شراكة للتنمية المستدامة" تطرق علي بن صالح بن ناصر الحشار من مؤسسة جسور إلى تجربة المؤسسة التي تعد فريدة من نوعها إذ تعد التجربة الاولى على مستوى السلطنة في اجتماع ثلاث شركات كبرى بمنطقة ميناء صحار في مؤسسة تعنى بالمسؤولية الاجتماعية لهذه الشركات وتكون هذه المؤسسة متفرغة تفرغا تاما وذات استقلالية بمجلس إدارة معتمد من مجلس الوزراء.