[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
حالة الاشتباك السياسي بين القوى الدولية والإقليمية وبعضها العربي في الأزمة السورية على خلفية التدخل العسكري الروسي لضرب التنظيمات الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة، والتقدم اللافت الذي تحرزه هذه العمليات، تسلط الضوء على الصراع المحتدم بين المصالح لحلفاء سوريا، والأطماع الاستعمارية الامبريالية لأعدائها، وعلى حالة الاصطفاف لقوى إقليمية وعربية مع القوى الغربية الاستعمارية الامبريالية، ودورها في تعبيد الطرق لجحافل أطماع الاستعمار الغربي، في مواجهة مصالح الحلفاء، وفي تكرار مشين للدور الذي لعبته في ليبيا والعراق ولاتزال.
إن هذا الصراع وإصرار الغرب الاستعماري الامبريالي على إسقاط الدولة السورية بأي شكل، وإصرار الأدوات في المنطقة الخادمة له على تحقيق الهدف الغربي بأي ثمن كان، لا يفضح فقط الغطاء الطائفي والمذهبي الذي أرادت هذه الأدوات تغطية عمالتها ورجعيتها وخيانتها للأمة ودورها في عملية التدمير الممنهج، ولا يفضح أيضًا الأراجيف والأكاذيب والافتراءات التي ساقوها في بدايات تفجيرهم للمؤامرة ضد سوريا وشعبها وجيشها وقيادتها، ومزاعم الوقوف إلى جانب الشعب السوري لتلبية تطلعاته، وإنما يفضح العلاقة التاريخية بين هذه القوى الغربية الاستعمارية وأدواتها في المنطقة وبين الإرهاب وتنظيماته، واستخدام هذه التنظيمات الإرهابية وسيلة في صياغة المشاريع الاستعمارية وتنفيذ الغزوات ضد دول المنطقة، على النحو الواضح حاليًّا في سوريا بتصدير إرهاب القاعدة وتقديمه على أنه "معارضة معتدلة"، في مواجهة الجيش العربي السوري، والبحث عن كل مستجد من الوسائل التي تمكن من تبرير دعم الإرهاب القاعدي، وإطالة أمد حرب الاستنزاف للدولة السورية وحلفائها.
لذلك يحاول حلف التآمر والعدوان عبثًا تغيير قواعد اللعبة التي فرضتها روسيا الاتحادية عبر استراتيجيتها المحكمة بشقيها: العسكري بضرب تنظيمات القاعدة وأخواتها الإرهابية. والسياسي بدعوة جميع الأطراف السورية والترحيب بها على مائدة الحوار في جنيف الثالث ومن خلفهم القوى الغربية المتطلعة إلى الاستفراد بالكعكة السورية. والتغيير الذي ينشده حلف التآمر والعدوان لا يقع في جوهره الحل السياسي القائم على الحوار الوطني، وعلى قاعدة المشاركة الجمعية لمكونات الشعب السوري، وإنما يريد من ورائه تعطيل العمليات العسكرية الروسية ـ السورية لإيقاف مسلسل الانهيارات المتلاحقة في صفوف ما بناه تحالف العدوان من تنظيمات إرهابية في حلب وحماة ودرعا وحمص وإدلب وسهل الغاب واللاذقية، وإعطاء هذه التنظيمات فرصة التقاط الأنفاس، وإعادة تجميع صفوفها وتموضعها على الجغرافيا السورية، بما يمكن حلف التآمر على سوريا من تنظيمها وإمدادها بما تحتاجه، وفي تحقيق ذلك كان لافتًا الآتي:
أولًا: الدعوة المشبوهة التي أطلقها جون كيري وزير الخارجية الأميركي لعقد اجتماع في الأيام المقبلة مع مسؤولين روس وأتراك وسعوديين وغيرهم باستثناء المسؤولين الإيرانيين سعيًا إلى التوصل إلى حل سياسي للأزمة في سوريا، كما قال. والهدف الذي ساقه كيري لعقد الاجتماع هو أن "واشنطن تشعر بأن لديها مسؤولية لمحاولة تجنب التدمير الشامل لسوريا وما قد يترتب عليه وخاصة التسبب بموجة جديدة من الهجرة"، مضيفًا "لا يوجد هناك أي حل عسكري ولقد أكدت ذلك للجميع بمن فيهم الروس كما أن الوضع الراهن يطول جميع دول المنطقة". والسؤال الذي يطرح ذاته أمام هذا التبرير المثير للضحك والشك في الوقت نفسه: من الذي عرقل جميع مبادرات الحلول السياسية منذ تفجر المؤامرة على سوريا وإلى الآن؟ ومن الذي يلقي أطنان الأسلحة للعصابات الإرهابية بما فيها "داعش والنصرة" ذراعا تنظيم القاعدة؟ ومن الذي يبكي خوفًا وقلقًا على التنظيمات الإرهابية جراء العمليات الروسية، ويعمل على تشويهها والتحريض ضدها؟ أليس الأميركيون وأتباعهم في حلف التآمر والعدوان؟ أوليس في هذه الدعوة المشبوهة محاولة لتعويم الإرهاب القاعدي من جديد، وكسب الوقت للعصابات الإرهابية وإعطائها فرصة التقاط الأنفاس، وإعادة تنظيم صفوفها وتموضعها، وتسليحها وتزويدها بالأسلحة النوعية التي يقال إنها أدخلت تحت جنح الظلام يوم استهدفت الطائرات الحربية الأميركية محطة كهرباء حلب وأغرقتها في الظلام؟
إذًا، هي محاولة اصطياد الروس، من مدخل الحل السياسي الذي طالما نادوا به وطالبوا مختلف القوى الغربية والإقليمية والأطراف السورية لتحقيقه، بحيث يطلب من موسكو إيقاف عملياتها العسكرية كبداية مهمة لمباشرة حوار طرشان، أو مفاوضات عبثية على غرار المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية العقيمة، لا هدف لها سوى كسب الوقت وتغيير الوقائع على الميدان.
ثانيًا: المناورات العسكرية الضخمة التي بدأها حلف شمال الأطلسي "ناتو" في البحر الأبيض المتوسط، لم تكن استعراضًا للقوة العسكرية واختبار أحدث الأسلحة المنتجة فحسب، وإنما هي عبارة عن رسائل إلى روسيا وحلفائها بأن حلف التآمر والعدوان بذراعه العسكرية "ناتو" قادر على قلب المعادلة إن أراد ذلك، وبإمكانه في ضربة خاطفة يطيح بالدولة السورية بهذه الضخامة التي حشدها في المتوسط ، أو على الأقل استهداف مواقع للجيش العربي السوري، مثلما تفعل روسيا باستهداف إرهابيي "معارضته المعتدلة". وفي تقديري أن هذه الرسائل لا تعدو عن كونها رسائل نفسية لروسيا وحلفائها للتخلي عن استهداف كامل التنظيمات الإرهابية واقتصار عملياتها على استهداف تنظيم "داعش" ، فضلًا عن غياب واضح للاستراتيجية لدى حلف التآمر والعدوان، وفي المقابل هي أيضًا رسائل معنوية ترفع حالة الانكسار، وتُوقِف الهروب الجماعي لعناصر التنظيمات الإرهابية.
ثالثًا: إعلان حلف التآمر والعدوان بقيادة الولايات المتحدة عن إلقائه مئات الأطنان من الأسلحة لمرتزقته وإرهابييه "المعتدلين"، والهدف من ذلك واضح وهو إطالة أمد الصراع وكسر الإرادة السورية ـ الروسية، وإفشال استراتيجية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوريا، عبر إنهاك الخصم وإدخال الشك إلى نفسه.
الخلاصة، هي أن حلف التآمر والعدوان يعمل جاهدًا لتعطيل عمليات الحسم الروسية ـ السورية بتطهير أرض سوريا من دنس الإرهاب. وإزاء ذلك نشك أن دمشق وموسكو وحلفاءهما قد انطلت عليهم ألاعيب كيري وعموم حلف التآمر والعدوان.