يمثل الخامس والعشرون من شهر أكتوبر الحالي يوماً وطنياً في مسيرة عُمان الخير .. يوم وطني بامتياز حين يتوجه آلاف الناخبين لاختيار ممثليهم في مجلس الشورى في دورته الثامنة، بعد انقضاء فترة كانت حبلى بالأحداث والمتغيرات، غير أن المتغيرات الحالية تمثل اختباراً حقيقياً أكبر لقدرة المجلس على مواجهة الأزمات، لعل في مقدمتها الأزمة الاقتصادية بسبب انخفاض سعر أهم منتج وطني في السوق العالمية، ليلقي بظلاله الخريفية على الموازنة العامة للدولة، فضلاً عن قضايا النهوض بالتعليم والصحة وقضايا التنمية الاقتصادية والأمن الغذائي والعدالة الاجتماعية وسوق العمل .. وغيرها من القضايا المصيرية التي تلامس حياة المواطن اليومية.
تأتي الدورة الثامنة في ظروف صعبة ومعقدة وبالأخص على الصعيدي السياسي وما تشهده المنطقة من صراعات وتجاذبات وحالة من عدم الاستقرار في عدد من دول الجوار وعلى الصعيد الاقتصادي حيث الأزمة الاقتصادية تأثيرها، الأمر الذي استدعى اتخاذ جملة من التدابير والإجراءات على مستوى الإنفاق الحكومي والتلويح باتخاذ تدابير وخيارات قد تكون صعبة على المواطن كرفع الدعم عن المحروقات والطاقة وربما رفع الدعم عن السلع والخدامات الاستهلاكية الرئيسة.
كل ذلك كان بمثابة تحذير جدي يستدعي إعادة النظر في السياسات الاقتصادية المتعلقة بتنويع مصادر الدخل باعتباره أهم القطاعات الحيوية لقياس مؤشر التطور الاجتماعي في أي مجتمع من المجتمعات، وباعتباره الضامن الرئيس والأساس للنهوض بالقطاعات الأخرى كالتعليم والصحة وتوفير فرص العمل لضمان استقرار سياسي واجتماعي، وهذا بطبيعة الحال يتطلب مواجهة من نوع خاص من قبل المجلس القادم المنتخب للعمل كندٍ وشريك مع الحكومة في الخروج من الأزمة الحالية، وإعادة بوصلة القرار نحو التغيير والتطوير الذي ينشده المواطن بما يحقق طموحاته نحو حياة أفضل وضمان استدامة التنمية له وللأجيال اللاحقة.
إن السؤال الذي يشغل بال شريحة كبيرة من المواطنين، وتدور النقاشات حوله في مختلف وسائل الإعلام التقليدي والبديل هو مدى الثقة التي ينبغي أن نوليها لهذا المجلس المنتخب ليكون شريكا حقيقيا للحكومة في ظل الظروف الحالية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، في إشارة صريحة لمواصفات اختيار الشخصيات التي تتطلبها المرحلة القادمة المدفوعة بحسها الوطني لتقود تلك الشراكة المنشودة.
ومن خلال متابعتنا لمختلف وسائط التواصل الاجتماعي الحديث (social media)، نستشعر مدى التوجس والترقب عمّا سوف تسفر عنه نتائج الانتخابات المقبلة، وفيما إذا كانت ستشهد تطوراً ملموساً يتمثل في وصول قيادات شابة وكفاءات وخبرات حتى تصنع الفارق، وتحرق سنوات من التدرج الذي لم يعد مجديا في مرحلة تتطلب حلولا جذرية وتشريعات رقابية وقوانين تواكب العصر وتقفز بنا خارج أسوار التقلبات العالمية والصراعات الإقليمية وتأثيراتها السلبية بأقل الأضرار.
ومن ناحية أخرى يمكن القول أن من أكثر المفاهيم الخاطئة - من وجهة نظر شخصية - التي تم تكريسها أو استخدامها للاستهلاك المحلي، والترويج لها سواء بقصد أو بغير قصد مقولة: "أن عضو مجلس الشورى همزة الوصل بين أهالي الولاية والحكومة"، والحقيقة أن دوره الحقيقي أكبر من ذلك فهو همزة الوصل بين الشعب ككل والحكومة، على اعتبار أن التفسير الجغرافي الضيق لدوره إنما يقزّم ويحجّم من أداءه تحت قبة المجلس.
كذلك في الفترة القادمة من الظلم أن يبقى عضو مجلس الشورى أسيرًا للفهم العام السائد لدى شريحة كبيرة من أفراد المجتمع في أن دوره يتمثل في نقل طلبات أبناء ولايته الخدمية إلى الجهات المعنية في ظل وجود المجالس البلدية ذات العلاقة بتلك الطلبات، إن دوره أكبر وأعمق من ذلك بكثير، فهو مطالب كشريك حقيقي في رسم السياسات العامة وخطط التنمية المستقبلية، والمشاركة الجادة والواعية في مراجعة القوانين والتشريعات وتقديم المقترحات والحلول للعديد من القضايا المصيرية التي تهم الوطن والمواطن من أقصى الشمال مسندم إلى أقصى الجنوب ظفار، وهذا الأمر يتطلب بلا شك امتلاك أدوات تعينه على أداء الأمانة الموكلة إليه متسلحًا بالعلم والمعرفة والتجارب العملية العميقة والحنكة السياسية وفهم عميق للمتغيرات الطارئة على الصعيد الداخلي والخارجي
ندرك تماماً أن التجارب الديمقراطية التي سبقتنا والتي نتطلع إليها ونتوق إليها قد أخذت زمناً طويلاً، وقد مرت بفترات جذب وشد لعقودا طويلة إن لم يكن قروناً، ولكن ذلك ليس معناه أن نمر في تجربتنا بمثل ما مرت به تلك التجارب من مخاض طويل، وإنما المنطق يدفع بنا إلى البدء من حيث انتهت تلك التجارب الناجحة مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصيتنا العمانية وهويتنا العربية الإسلامية، وأحسب أن تاريخنا مليء كذلك بتجارب يمكن الاتكاء عليها والاستفادة للمضي قدما بالتجربة الشورية ليؤدي المجلس دوره الحقيقي المنوط به على الوجه الذي يرضي طموح الناخبين، ويسهم بشكل مباشر وفعّال في التنمية المستدامة، وعلى الحكومة أن تتفهم ذلك الدور وأن تعطيه الثقة، وأن لا تكون وصية على قرارته، بل هو من يفرضها ويتحمل تبعاتها باعتباره عضوا منتخباً يحاسبه الناخبون إن لم يؤد واجبه، أو قصّر أو تقاعس عن أداء مهامه ورسالته، ومن هنا يصبح لزاما على كل مواطن أمين حريص على منجزات وطنه أن يحسن الاختيار وأن يتحمل هو الآخر تبعات خياراته.

علي بن سعيد الريامي
باحث أكاديمي