[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/alibadwan.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]علي بدوان[/author]
تؤكد وقائع ما يجري في فلسطين حاجتنا لإعلام عربي وإسلامي مُعاصر، يوازي الفعل الكفاحي الكبير الذي يُسطّره شبان وشابات فلسطين من الأجيال الجديدة الصاعدة التي تقود عملية المواجهة مع الاحتلال والدفاع عن الأقصى والمقدسات والأرض في فلسطين.
الحاجة مُلحّة جدًّا، لإعلامٍ يحظى بمكانة راقية من حيث الحضور والفعل والتأثير، ومن حيث المهنية، في نقل الوقائع وإيصالها لأوسع نطاق على مستوى العالم بأسره. وطالما لَخّص العرب منذ القدم توصيفهم المُبسط للإعلام ولتقنية الخبر بقولهم (لا تشبع عين من نَظر ولا أُذن من خَبر) واتبعوا ذلك التوصيف بتحديد مُكثف لما يجب أن يتمحور حوله مضمون الخبر الإعلامي وتقنيته المهنية بقولهم (خير الكلام ما قلّ ودلّ وجُلّ ولم يُمَلّ).
إنه الإعلام المُرتجى لتقديم الإسناد الملموس ونقل الوقائع الحية، في المعركة الوطنية والتحررية التي يخوضها الشعب الفلسطيني في الداخل، حيث لا تزال المطبات والمعيقات والمثالب كثيرة وتملأ مناخات الإعلام العربي والإسلامي. وفي هذا المسار من العمل الإعلامي العربي والإسلامي، من المنطقي القول بأن من وظيفة الإعلام الإسلامي في جانب هام منها، تقتضي كشف المستور المتعلق بما يجري خلف الكواليس من حراكات مضادة تحاول وأد هبات الشعب الفلسطيني، والإفصاح عنها إعلاميًّا، فهناك العديد من الأمور وخاصة تلك التي تخص (المفاوضات السرية والعلنية) وما تتضمنه تلك المفاوضات من استراتيجيات وأجندة مخفية.
إن مفهوم وفلسفة الإعلام العربي يجب أن تقوم على استثمار كافة وسائل الإعلام والاتصال في اتجاه خدمة القضية الفلسطينية بما يحقق توظيف الرأي العام نحو الضغط المتواصل والمنظم على القيادات الفاعلة في صنع القرار السياسي لاتخاذ مواقف وقرارات التي من شأنها أن تجعل القضية الفلسطينية محور اهتمام المجتمع الدولي وتوفير الدعم للشعب الفلسطيني.
وبالطبع، إن النجاح في إطلاق رسالة إعلامية عربية، مرئية ومسموعة ومكتوبة، وبالواقع الفلسطيني القائم في ظل الاحتلال ووجود أكثر من نصف الشعب الفلسطيني خارج وطنه التاريخي، يستوجب بالضرورة بناء استراتيجية إعلامية تتسم بالمرونة التي لا تفقد الجوهري، ولا تطيح بالثوابت والحقوق الوطنية والقيم الأخلاقية. وأن تكون في الوقت ذاته (مهنية) وعالية الجودة، تَحمِلُ في طياتها رسالتها الفكرية والسياسية والوطنية، ورسالة الكلمة بسلاسة في طرح المواضيع المهمة المطلوبة، والتطرق إليها، وإثارة الرأي العام بصورة منظمة وغير عشوائية أو ارتجالية.
وفي هذا العالم المتطور، المليء بالضجيج والحركة، والمليء بالتطورات المتلاحقة التي ضربت وتضرب منطقتنا كل يوم، وفي القلب من ذلك القضية الوطنية الفلسطينية، فإن تحديات كبرى ترتسم اليوم على الأرض بالنسبة للعملية الإعلامية والدور العربي والإسلامي المطلوب، فلم يَعُد الإعلام ترفًا كما يَعتقد البعض، ولم يَعُد أيضًا من أجل تخليد أو تمجيد هذا القائد أو ذاك، بل بات الإعلام سلاحًا فتاكًا، يوازي فعل وتأثير سلاح المقاومة في صراع الشعب الفلسطيني مع الاحتلال الاستيطاني الصهيوني الجاثم فوق الأرض الفلسطينية.
إن الإعلام الوطني العربي والإسلامي، يُفترض به أن يرافق الفعل الكفاحي للبشر والحجر في فلسطين، على الرغم من مواجهة الشعب الفلسطيني وحشًا إعلاميًّا يمتلك ماكينة إعلامية أكبر وأوسع وأكثر قدرة وإمكانية منه، تديره أغنى الشركات الإعلامية اليهودية في العالم من مؤسسات اليهودي الأميركي روبرت مردوخ وغيرها.
إن الدور الفلسطيني والعربي في البحث عن موقع إعلامي في الوسائل الحديثة. يقرر بأن العرب أمام مفصل مهم: فإما يكون موقعهم الإعلامي مع ثورة معلوماتية ستصل قريبًا إلى مشروع الجيل المقبل في وسائط الإعلام ذات القدرة والفاعلية، وأما الانتكاس والتخلف الإعلامي مع ما يلحقه من أذى ونتائج سلبية على قضايا المنطقة الوطنية وفي المقدمة منها قضية فلسطين، وعلى المجتمعات المحلية وقيمها وتراثها وثقافتها المُستهدفة أصلًا.
إن تطور وسائل الإعلام وتقنياته، وإن حمل في طياته أشكالًا من الاستثمار التسلطي، فإن آفاقا جديدًا فتحها أيضًا أمام البشرية لتوسيع أفق الديمقراطية والحرية وبث روح المساواة والتعاون، وهو ما يجب أن يسعى له العرب والمسلمون، من أجل مغادرة مواقع الانتظار ومقاعد المتفرجين والركون، والقيام بالمبادرة لتحقيق الموقع المرموق في ميدان العمل الإعلامي، حيث لا تنقص الخامات الإعلامية البشرية التي تستولد الكفاءات المهنية الإعلامية، ولن تبقى وسائل وتقنيات الاتصال حكرًا على طرف دون غيره.
إن المبادرة تعني بناء استراتيجية إعلامية عربية وإسلامية، تعيد تقديم القضايا العربية والإسلامية العادلة والإنسانية السامية، بالصورة الناصعة التي تُليق بها، كما في الدفاع عن القضايا الوطنية وفي مقدمتها قضية فلسطين، ودحض رواية الآخر الذي سعى لاستغلال وتوظيف الإعلام كسلاح في سياق تنفيذ المشروع الصهيوني فوق الأرض الفلسطينية منذ أيام الانتداب البريطاني على فلسطين، وبنى ترويجه الإعلامي على مداميك من الظلم والتزوير الفظ وقلب الحقائق.
وعليه، يفترض على الإعلام العربي مغادرة قلق التكنولوجيا وقلق تدني أو تواضع الكفاءة والمهنية، بالمبادرة الخلاّقة، وبمغادرة مواقع الانتظار، ومن خلال بناء استراتيجية إعلامية، لكسر تدفق المعلومات المقدمة عبر البرامج والأخبار الموجهة في اتجاه واحد، وتوليد (المستضد) الطبيعي لها، وذلك في إطار صيانة الجسم الوطني وفي سياق تفعيل سلاح الإعلام ودوره المنشود في المعركة الوطنية والحضارية، فالتلفزيون مثلًا لا يمكن أن يقزّم فعله باتجاه واحد، كان يقال عنه إنه صانع دكتاتوريات مثلًا، وكذا الأمر بالنسبة للشبكة العنكبوتية التي لعبت دورًا فاعلًا في الانفتاح العالمي وتحويل المعمورة إلى قرية صغيرة.
وبالختام، وفي غمار ما يجري في فلسطين من هبات شعبية متواصلة، تحتاج لإعلام مُساند وداعم، تأتي ضرورة العمل من أجل بناء استراتيجية إعلامية عربية، تستند إلى فلسفة صناعة الإعلام المعاصرة، وتتبنى بناء منظومة إعلامية تحقق التكامل الأفقي والعمودي بين وسائل الإعلام المختلفة (بث فضائي، إذاعة، صحافة مكتوبة، دوريات، ...الخ)، وفي استخدام التقانات الحديثة في وسائل الاتصال وتثميرها في العملية الإعلامية وما تمثله من ثورة في المعلوماتية التي تقدمها لصانعي القرار. وفي التركيز على المعلومة، أو بمعنى آخر على المضمون الإعلامي بالكلمة والصوت والصورة. فالإغراق بالمادة الإعلامية دون المضمون بقصد التأثير في عقول الناس واختراقها والسيطرة عليها وتسويقها لا يعطي نتيجة، بل يصبح إعلاما منفرًا. وكم من صورة معبرة استطاعت أن توصل الرسالة والمضمون بطريقة فعالة ومباشرة. وفي توفير كفاءات إعلامية من ذوي الخبرة في مجال العمل الإعلامي بأوجهه المختلفة، وتهيئة وإعداد الكوادر الوطنية، عبر الدورات المتتالية، وعبر إشراك الجميع في العمل الميداني المباشر، وتكثيف الدورات وحلقات العمل للعاملين في مجالات الإعلام كافة، كانوا مقدمي برامج أو فنيين، وتنمية وصقل القدرات الفكرية والإبداعية لهم.