القراءات الحالية واللاحقة لتداعيات التدخل الروسي لإنقاذ سوريا من الإرهاب العابر للقارات والمدعوم من حلف قوامه ثمانون دولة أو أكثر، تشي بأن قادمات الأيام حبلى بالتطورات العسكرية والسياسية، ونحو مزيد من التسعير والتصعيد الأميركي لمواجهة التدخل العسكري وإفشال الاستراتيجية التي وضعتها روسيا الاتحادية المبنية على مرتكزين: الأول محاربة الإرهاب وتطهير الأرض السورية من دنسه. والثاني الحل السياسي وبناء المقاربات اللازمة بين مختلف الأفرقاء بمن فيهم حلف التآمر والعدوان الداعم بصورة علنية للإرهاب تحت واجهة كذبة "المعارضة المعتدلة"، وكذبة "محاربة" إرهاب تنظيم "داعش" الذي أخذ يتمدد على الأرض ويتوسع ويتوحش تحت مظلة الرعاية للتحالف الستيني.
وإزاء ذلك، فإن المفاجآت ممكنة، والتمادي في انتهاك السيادة السورية وارد، والقيام بعمليات عسكرية موجهة ضد منشآت البنى التحتية السورية وإلقاء المسؤولية عنها نحو حلفاء سوريا هو ما كان وسيكون، بل يبدو أنه مرشح لأن يكون في صدارة السيناريوهات المعدة لإفشال الاستراتيجية الروسية ولإطالة أمد الصراع واستنزاف الدولة السورية وحلفائها.
يحاول الأميركي التقدم خطوات نحو هدف الإفشال والتعطيل للجهود العسكرية والسياسية القائمة لتطهير سوريا من الإرهاب وإنهاء الأزمة، وإرساء مناخات جديدة تتجه نحو واقع جديد مبني على روح التفاهم والحوار الوطني وإعلاء قيم الولاء والانتماء الوطني للدولة السورية، وعدم المساومة أو قبول أي ابتزاز فيما يمس الأمن القومي، ووحدة الأرض والسيادة ومؤسسات الدولة القائمة وبخاصة مؤسسة الجيش. ومحاولات الأميركي ـ مستعينًا بحلفائه وأتباعه ـ تعني ترك الباب مشرعًا على جميع الاحتمالات والخيارات بوجهيها الإيجابي والسلبي الذي يبدو أقرب إلى الواقع في هذه المرحلة تحديدًا، وهذا ليس له علاقة بالتشاؤم، بل بطبيعة فهم السلوك الأميركي الذي يأبى التسليم والاستسلام دون مقابل، والذي لا يستند إلى أي مبادئ وقيم، ولا إلى رادع أخلاقي أو قانوني، ويعتمد في كل تحركاته ومشاريعه على الانتهاكات الصارخة والمعايير المزدوجة. فهو من ناحية ـ وعلى وقع التدخل العسكري الروسي ـ يتحدث عن حل سياسي وأن لا حلول عسكرية للأزمة، ولكن الازدواجية والانتهازية والمراوغة وغياب الرادع الأخلاقي والقانوني، ظاهرة من خلال مواقف أميركية عدة، منها استبعاد أطراف فاعلة في الحل السياسي كالجمهورية الإسلامية الإيرانية واستبعادها من الحوارات الخاصة بالأزمة السورية، سواء كانت ثلاثية أو رباعية أو أكثر من ذلك، كما هو حال اللقاء الرباعي في العاصمة النمساوية "فيينا"، وقبل ذلك مؤتمر جنيف، وكذلك عدم احترام خيار الشعب السوري وقراره، بمعاداة رئيسه الذي انتخبه في انتخابات نزيهة وشفافة. ويترافق مع ذلك إعلان الولايات المتحدة إرسال طائرات حربية تعرف بـ"قاتلة الدبابات" إلى قاعدة إنجرليك التركية، بهدف دعم العمليات العسكرية للتحالف الستيني في سوريا ـ وفق زعمها. ما يطرح سؤالًا مباشرًا: في ظل الدفاع المستميت من قبل حلف التآمر عن الإرهاب في سوريا، وشن الحملات السياسية والإعلامية لإفشال الاستراتيجية الروسية والتحريض ضدها وتشويهها، ورفض الحلف تزويد موسكو بأي معلومات عن بؤر الإرهاب وأماكنها، ما الهدف من إرسال هذه الطائرات الحربية؟ ومن يراد استهدافه بها؟ ولماذا الآن في ظل تقدم الجيش العربي السوري في الجغرافيا السورية واستعادته الكثير من القرى من قبضة الإرهاب؟ ألا يمكن استخدامها في استهداف معدات الجيش العربي السوري على نحو ما تقوم به الآن طائرات الحلف الستيني من ضرب منشآت البنى التحتية السورية كمحطة كهرباء حلب؟ وعلى نحو استهداف المستشفيات وإلصاق التهمة بروسيا الاتحادية؟
إذًا، كل ما يريده حلف التآمر والعدوان بقيادة الصهيو ـ أميركي هو إفشال الاستراتيجية الروسية في سوريا، واستمرار استنزاف قدرات الدولة السورية وحلفائها حتى درجة الإنهاك. ولهذا، ما يتحدث عنه الحلف كالحل السياسي والحوار الثنائي والثلاثي والرباعي يأتي من أجل كسب الوقت وإعطاء مجاميع الإرهاب الوقت لتجميع صفوفها، وإعادة تموضعها لتشن موجات إرهابية جديدة.